معالي وزير الثقافة،
لا شك أنكم استحققتم عن جدارة المنصب الرفيع الذي عينتم عليه. فقد أثبتم كفاءة وجدارة استثنائيتين خلال رئاستكم قرابة عهدتين السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية. وإن خبرتكم العميقة ورؤيتكم الاستشرافية في هذا المجال كانت عكست شخصية إعلامية متميزة من الطراز الأول، تجمع بين الكفاءة والحنكة الإدارية.
كما أن بصمتكم في الحقل الثقافي بمفهومه الواسع بدت جليت منذ الوهلة الأولى، حيث أضفتم حضورا متميزا وأثريتم الساحة الثقافية والفنية من خلال دعمكم المستمر وتشجيعكم للإبداع والمبدعين. وقد وجد فيكم الأدباء والكتاب سندًا حقيقيًا ومناصرًا لقضاياهم، ما دفعهم إلى الإشادة بمواقفكم النبيلة ومجاراتكم لطموحاتهم وآمالهم.
وما توليكم وزارة الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، إلا دليلاً على الثقة الكبيرة التي وضعها فيكم الوطن، ويعكس قدرتكم على النهوض بهذه القطاعات الحيوية وتعزيز حضورها على الصعيدين الوطني والدولي. ولا شك أنكم ستواصلون السعي لتحقيق أهداف هذه الوزارة، وفتح آفاق جديدة للإبداع والتميز، بما يساهم في بناء مجتمع واعٍ ومثقف، يعتز بتراثه ويسعى إلى الريادة في مختلف المجالات.
معالي الوزير،
بفضل حكمتكم ورؤيتكم الطموحة، إننا على ثقة أنكم ستواصلون تحقيق المزيد من الإنجازات التي ستخلّد بصمتكم في سجل العمل الثقافي والإعلامي الوطني. كما وعد بذلك فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني تحت إشراف الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي وكلفتم بموضع السياسات الواعية وتنفيذها.
معالي الوزير،
ترسوا، بعد أيام قليلة، تداعيات الزمن على مهبط التاريخ في شنقيط، حيث ستتقاطر جحافل أدعياء الشعر يحجبون شمس الأدب، وذوي الكتابة المترفة يكررون قص ولصق ما أنتجه - منذ أمد - الباحثون الأولون ولم يشهد تحيينا ليبقي الكائن التاريخي حيا ينبض حاضرا ويبشر استشرافا.
إن هذه المدينة التاريخية، التي كانت عبر قرون خلت مناراتٍ للعلم ومآثر حضارية خالدة، قد لا تجني من هذه فوضى الغوغائيون إلا ما جنت براقش على أهلها. يثقل كاهلها الكلام المعاد بدون تحيين والعر المبتذل بلا روح، وفضلات عادات استهلاكية تترسب فوق وتحت أديمها الطيب، بينما تهتز معالمها بفعل تأثير التدافع العشوائي، ليزيد صراع معالمها من أجل البقاء وسط حمم الأبواق التي تضج حوله وتوزع صخب "المفنيات" العقيم على جدرانها المقاومة عفن النسيان وطمع الانتهازيين اللحطيين.
إن شنقيط لؤلؤة غارقة في رمال التاريخ، تستحق أكثر من أن تُختزل في شعارات جوفاء وقصائد مبتذلة أو استعراضات ثقافية عابرة. إنها تستحق أن تُعاد إلى وهجها الحقيقي، وأن تُبعث روحها الحضارية التي كانت تمد العالم بالعلم والأدب، لا أن تُترك تتآكل تحت وطأة لامبالاة الانتهازيين ومظاهر الاستهلاك السطحي.
ليس هنا الحديث عن أطلال، بل عن تاريخ حيّ يتوسل من يحميه ويصون أصالته. إنها دعوة للعودة إلى الجذور، لا للغرق في تكرار ماضٍ فقد بريقه، أو الانشغال بركام كلمات لا تضيء الطريق.
معالي الوزير،
لا يخفى على مقامكم أن التاريخ بات اليوم أكثر من مجرد سردٍ نظري للأحداث؛ فهو سلعة استراتيجية وثقافية تسهم في تعزيز مكانة الأمم على الساحة الدولية. في عصر العولمة، أصبحت الأمم تُعرف بإسهاماتها التاريخية والحضارية، مما يمنحها فرصة لتأكيد هويتها الخاصة وسط التنوع العالمي. وإن الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي واستثماره بطرق مدروسة يمثل ركيزة أساسية لتحقيق ذلك.
وعليه، فإن الحاجة أصبحت ملحة لوضع سياسة شاملة تتبنى رؤية استراتيجية تهدف إلى الاستفادة المثلى من الموروث التاريخي والثقافي. ينبغي أن تأخذ هذه السياسة بعين الاعتبار تطوير المواقع الأثرية وتأهيلها لتكون جاذبة للسياح والباحثين، وكذلك توثيق التراث المادي وغير المادي باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية.
كما يُعد الفلكلور المحلي جزءًا لا يتجزأ من هذه الرؤية، فهو يعكس التنوع الثقافي والهوية الوطنية، ويمكن توظيفه ليكون جسرًا للتواصل مع الشعوب الأخرى. كذلك، فإن إقامة المهرجانات والمعارض الثقافية، بالتزامن مع إطلاق برامج تعليمية تهدف إلى توعية الأجيال الناشئة بأهمية التراث، تسهم في تعزيز هذا الاتجاه.
من الضروري أيضًا تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية والمراكز البحثية لتبادل الخبرات، بما يضمن حفظ التراث بطريقة علمية مستدامة. وعلية إن تسخير هذا التراث ليكون رافدًا للتنمية الاقتصادية والثقافية سيسهم بلا شك في تعزيز مكانة شعبنا وبلدنا على المستويين الإقليمي والعالمي.
ولذا، نأمل أن يكون لهذا التوجه مكانة بارزة في السياسات الوطنية المستقبلية بما يليق بقيمة تاريخنا وحضارتنا.