سيدي رئيس الجمهورية،
بفوزكم ومن الشوط الأول بمأمورية ثانية إنما أثبتم للعالم أنكم تحظون بثقة اغلبية شعبكم، وللموريتانيين أنكم مستودع أمله في غد مشرق وقيام مرحلة تتسم بتنقية البلد من أسباب التعثر في المسار التنموي واستمرار أوجه الغبن المخالفة لضوابط شرع ديننا الحنيف وناموس الجمهورية وما يمليه منهاج الحكم تحت سقفها.
ولإن كنتم استطعتم طيلة المأمورية الأولى أن تتحلوا بسمات القائد التالية:
- الوعي الذاتي والقدرة على تحديد الأولويات حيث كان النهج الذي اخترتموه للتعامل مع جائحة "الكوفيد" سبقا في المنطقة واستثناء في النتائج المبهرة التي تحققت وقد شهد بها العالم وأثنى عليها،
- إدارة الوقت بطريقة أكثر فاعلية حيث آثرتم العمل الميداني على التنظير السلبي فوجهتم القطاعات إلى استحداث خطط عمل ميدانية تجمع بين متطلبات التباعد ومواجهة الاكراهات والحرص على استغلال الوقت لاستمرار الأداء المثمر،
- التكيُّف مع التغيير الذي كان وقتها ضروريا لتأمين الشعب من عواقب الجائحة على الصحة ومتطلبات البقاء، فجاءت البرامج الاجتماعية مكيفة مع إكراهات الوضع حتى مرت بأقل ضرر مقارنة بالكثير من دول القارة والعالم،
- القدرة على التواصل الفعال، وقد بدأتموه عند الوهلة الأولى لتسلمكم مقاليد السلطة حيث افتحتم على مصراعيه باب نبذ الخلافات السياسية التي كانت حامية الوطيس بين كل الفرقاء السياسيين، ومددتم اليد للجلوس على مائدة الحوار حتى يكون الاجماع على المصلحة العليا للوطن واستقراره، الأمر الذي تحقق وكان من أسباب تضافر جهود الجميع لموجهة محنة الكوفيد،
- التفكير الاستراتيجي، وقد تجسد في وضعكم برنامجا طموحا وشاملا، وقابلا للتنفيذ بغية "إقلاع اقتصادي ونجاح تنموي" بمقدرات البلد المتنوعة؛ برنامج لم يبلغ كله مداه بسبب الجائحة والحروب والأزمات الدولية التي تمخضت عنها الجائحة وما كان لكل ذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي بشكل عام. وقد تحقق من هذا البرنامج -مع ذلك- جزء ليس باليسير، من ضمنه:
-إعادة الاعتبار للمدرسة الجمهورية وما صاحب من إصلاحات في التعليم،
-تنفيذ برنامج اجتماعي هام قلل من نسبة الفقر والفاقة وأمد الطبقات الهشة والفقيرة بمساعدات غذائية كبيرة، ووفرت التأمين الصحي للمرضى وأقرت ميزانية كبيرة تؤمن مداخيل شهرية ثابتة للمعدمين، علاوة على برنامج مستمر لبناء سكن لائق للفقراء.
- التركيز على تطوير الآخرين، الأمر الذي بدأتم به عند تكليف أول حكومة عينتموها لمباشرة العمل خلال مأموريتكم الأولى. جمعتم الوزراء وأبلغتموهم بالثقة التي تضعونها فيهم وأن كلا منهم المسؤول بمفرده عن سياسة قطاعاته، يسيره وفق ما تقتضيه المتطلبات والضرورات والاستراتيجيات والخطط العملية. وهي ثقة جعلتهم أمام مسؤولياتهم. فمنهم من نجح ومنهم من أخفق،
- الصدق ومحاسن الاخلاق هي صفات لا يختلف اثنان على أنكم تتمتعون بها وقد أسهمت دون أدنى شك في إضعاف العنف اللفظ السياسي المتبع نهجا لدى الفرقاء ومن التخفيف من الرغبة الجامحة في التصادم الأيديولوجي العنيف الموروث عن حقبة الحركات السياسية الإيديولوجية أيام نشأتها ومقارعتها للحزب الواحد والتحامها من بعد باللجان الانقلابية
- وما كان من رزانة وهدوء وحكمة طيلة مأموريتكم الأولى تحليتم بها إلا إدراكا متقدما لضرورة التحلي بخصلة "اعتبار النفس مثالا يُحتذى" خصلة حميدة معينة على إحكام نهج "الثقة" الذي تخاض به وضمنه المنافسات السياسية بالبرامج البناءة والخطابات الحمالة.
... فإنكم، لا شك، تدركون حجم الأمل المعقود على هذه المأمورية للتغيير الذي لا بد أن يبدأ حتما:
- بتنقية كل القطاعات والدوائر التسييرية والأسلاك المالية والادارية من المفسدين واستلالهم كما "تستل الشعرة من العجين" ومواصلة إصلاح حقل الإعلام "السلطة الرابعة" من خلال تصفيته من الرواسب التي ظلت طويلا عصية على الانزياح، تحجب ضوء "الحقيقة" بغربال اللغة الخشبية وتمد المفسدين بالحماية و"الطاقة السلبية"، وكذلك إصلاح قطاع الأمن حتى تعود لكافة أسلاكه حيويتها وللسكينة صفاؤها،
ـ واختيار الجديرين أصحاب الكفاءات العالية، المهمشين والمغمورين، المستغلين والممنوعين من الترقية والحقوق على خلفية اعتبارات ظالمة؛ اختيارهم لصياغة الغد الواعد من خلال البرامج المتقنة المتوازنة، والاعتماد على فعاليتهم وانضباطهم ومهنيهم العالية،
ـ وتغيير أوضاع البلد من خلال مواصلة البرامج التي وضعت خلال المأمورية الأولى وقد حالت عوامل جائحة "الكوفيد" وحرب روسيا وأوكرانيا واضطرابات الاقتصاد العالمي دون إنجازها كلها،
ـ وضع مؤسسات تسييرية جديدة تقوم على تسيير مقدرات البلد من الغاز ومعادن وال{ذهب والحديد والنحاس و الفسفات وغيرها والثروة السمكية، واستصلاح أراضي الضفة بوسائل المكننة الحديثة وتقنيات الري المبتكرة،
ـ بناء استراتيجية ثقافية تطلق مع الاعتبارات المتخلفة، ترصد مواطن النجاح وأوجه الاستثمار في إعادة الاعتبار للموروث التاريخي العظيم واستغلال المقدرات السياحية الهائلة والبارزة المعالم بفعل استراتيجية سياسية جديدة تحافظ على الخصوصية والتنوع الثقافي الكبير لكل المكونات دون إغفال ضرورة التبادل الإيجابي الأخذ من تجارب العالم.