المرشح الرئاسي والنائب البرلماني العيد محمدن خلال حفل إعلان ترشحه مساء أمس (الأخبار)
بسم الله الرحمن الرحيم
{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} صدق الله العظيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أحيي الحضور الكريم من سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين، وأحيي الجماهير التي جاءت من مختلف مناطق البلاد نساء ورجالا، شبابا وشيبا، وأشكر الجميع على تلبية الدعوة.
أيها الشعب الموريتاني:
يحتم علي وضع بلدنا اليوم طرح السؤال الجوهري: لماذا وبعد 63 سنة، من استقلال بلادنا، ونحن في هذا الواقع، ما زال بلدنا في آخر قوائم تقييم البلدان على مقاييس التنمية والتقدم، ونتصدر قوائم الفساد والفقر وضعف المؤسسات وغياب الأمل في تغيير هذا الواقع لدى الكثير من أفراد شعبنا؟!
بعد ستة عقود من الاستقلال، ونسبة الأمية مفزعة وخطيرة، أغلب سكان البلد يعيشون وضعية الفقر المدقع، مع انعدام البنية التحتية وتدمير "بدايات تشكل المدرسة العمومية التي تؤسس للمواطنة المتساوية والهوية الجامعة والقيم المشتركة والإيمان بالوطن الواحد الذي يحمي الجميع ويظل الجميع ويطمئن له الجميع.....
ما زلنا نعتمد على الخارج في أهم ركائز وجودنا (الغذاء والدواء) وتعرفون كمَّ أفواج المسافرين من كل الفئات والمستويات بحثا عن العلاج في دول الجوار وتعلمون وتعيشون آثار الأزمات الدولية وتأثيرها على أسعار أهم المواد والسلع..
انحسرت مساحات الأمل والتطلعات لدى الشعب وخاصة الشباب والطبقات الهشة. تعرفون كمْ تعاني آلاف الأسر الفقيرة من أجل الحصول على عمل ومسكن وأمن وإيمان بالمستقبل ....
لم يتغير واقعنا رغم ثرواتنا المعدنية ولا شواطئنا الغنية، ولا أراضينا الخصبة الممتدة ولا ثروتنا الحيوانية الهائلة مما يبقينا رهائن استيراد كل حاجياتنا من أصغر علبة حليب وقرص دواء، إلى أهم الصناعات وأحدث التكنولوجيات، فما السبب في كل ذلك؟ ولماذا نرضى أن نبقى هكذا؟! ألا يستحق شعبنا الحياة الكريمة؟ ألا يستحق بلدنا التقدم والازدهار؟!
ستون سنة من انطلاق مشروع الدولة وما زال الشرخ الاجتماعي ماثلا للعيان، والفجوة بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد تزداد يوما فيوما بسبب غياب العدالة وضعف الدولة، والعجز عن العلاج الحقيقي الناجع للمظالم الاجتماعية سواء ما تعلق بالرق ومخلفاته، والإرث الانساني وعذاباته، والطبقية وميراثها، والقبلية وسلبياتها على الدولة الحديثة، وما يرافق كل ذلك من مخاطر قابلة للانفجار في كل لحظة، خاصة مع موجات العنف والانقلابات السائدة في محيطنا، وتكرار فشل دول مختلفة بسبب غياب رؤية وطنية جامعة داخليا والأطماع الخارجية..
الموريتانيون الموريتانيات:
ما زال المشكل العقاري في الحضر وفي الريف قائما ويهدد السلم الاجتماعي أفقيا وعموديا سواء بالصراع بين القبائل، أو بين الفصائل في القبيلة الواحدة أو بين الشرائح والفئات، وحتى بين الأسر والأفراد، وما يصاحب ذلك من تعطيل لدور الأرض كرافد لبناء الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة وتعزيز الانسجام الاجتماعي..
ستة عقود وما زالت مؤسساتنا غير فعالة بل غائبة ومعطلة بما في ذلك مؤسسات الرقابة والتشريع مثل البرلمان الذي ميع وأضعف إن لم يكن عطل، ومحكمة الحسابات ومفتشية الدولة والمفتشيات القطاعية، ومازال القانون والحريات تعطل بجرة قلم من وزير أو وال أو حاكم فمنعت الأحزاب من الترخيص والإعلام الرسمي الممول من المال العام ظل محتكرا وغائبا عن مشاكل المواطن واهتماماته، وأفرغت حقوق الإنسان من مضامينها خاصة قضايا المرأة والطفل والأسرة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وتحولت الإدارة بفعل البيروقراطية إلى غول مخيف يستنفد جيب المواطن ووقته وينتقص كرامته بفعل انتشار الفساد بشكل هستيري.
مع أنه كان يفترض الانفتاح الديموقراطي أن يكون رافعة للشفافية والرقابة فجاء بالتجييش القبلي وشراء الذمم واستخدام المال العام، وتماهي أجهزة الدولة مع الحزب الحاكم ومرشح السلطة.
ما زلنا نحتاج المزيد من الجهود لتمهين جيشنا وإبعاد أغلب قياداته عن ممارسة العمل السياسي حتى يكونوا نموذجا بعيدا عن الاصطفاف الحزبي ، وليكونوا على مسافة واحدة من الجميع ويقدرهم الجميع، ويحتاج أمننا المزيد من الاهتمام وتوفير الإمكانات لمحاربة الجريمة وضبط الأمن، وتحتاج دبلوماسيتنا التفعيل لخدمة البلد والشعب، وخاصة جالياتنا في الخارج التي تعطي ولا تأخذ، وتمنح ولا تمن وأنتهز هذه الفرصة لأعبر باسم كل الموريتانيين عن موقفنا الحازم ضد كل مشروع اتفاق أو معاهدة تمس بسيادة وثوابت شعبنا ومصالحه الحيوية ونطالب بأن يكون كل مشروع اتفاق أو معاهدة موضع نقاش مجتمعي ومصادقة من طرف البرلمان والهيئات المخولة وأن ينشر بكل شفافية.
أيها الموريتانيون والموريتانيات
ستون سنة من عمر مشروعنا الوطني، والأنظمة المتعاقبة تسبح في بحر من الخطابات الجامدة المكررة، والأرقام المملة المزورة، ووجوه تتوارث المناصب والامتيازات، وثلة فاسدة تحتكر الثروة والنفوذ، وغالبية الشعب من كل الفئات وكل الجهات تعاني التفقير والتجهيل...
أيها السادة والسيدات، وإلى الشباب خاصة:
إنه ليحز في النفس أن يتغير العالم، وتتضاعف الميزانيات، ويزداد الوعي - افتراضا - ثم لا نبرح واقعنا يل يزداد سوءا، فمن أين الخلل ولماذا السكوت والقبول؟ أليس من حقنا أن نتغير ونُغيّر؟! أليس من حق هذا الشعب الصابر المسالم أن يعيش بكرامة وحرية ووحدة وفي ظروف تليق بالبشر؟!
لماذا يهاجر الآلاف من شبابنا بمن فيهم ذوو الكفاءات العالية ويتحملون الخطر للبحث عن لقمة العيش خارج الوطن رغم إمكاناتنا المتعددة؟! ولماذا يتراجع التعليم في بلدنا؟ ولماذا يزداد الفقر، وتنتشر المخدرات وترتفع الأسعار؟ لماذا هذا الفشل المستمر؟! لماذا هذا اليأس وهزالة التفكير وقصر النظر وضعف الطموح؟!
لقد أتيحت لنا - نظريا - سبعة فرص انتخابية رئاسية لاختيار من يحكمنا منذ الانفتاح الديموقراطي، قبل أكثر من ثلاثين سنة وما زالت نفس الأنظمة الحاكمة ونفس الممارسات الراسخة والمسؤولة عن هذا الواقع، والفاشلة في تغييره، فكانت النتيجة هي نفس النتيجة، وهذا طبيعي لأن النتائج بنات الأسباب إذا لم تتغير هذه فلن تتغير تلك، ولذلك لم ولن يحصل التغيير بالتجديد لأي نظام عجز خلال عقود طويلة، ولا لوزير كان ركيزة أساسية من نظام فاشل أو فاسد أو هما معا..
لقد آن الأوان لندرك أن من حكمونا طيلة هذه العقود لم ولن يغيروا واقعنا لن يغيروه أبدا ومن العبث الاستمرار في التمكين لهم كل مرة.
أيها الموريتانيون والموريتانيات:
لهذه الأسباب قررتُ خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسأتشرف بقيادة هذا المشروع، متوكلا على الله، مسنودا بنخبة من المناضلين الصادقين المضحين والباذلين من أجل الوطن، واثقا من وعي شعبنا وقدرته على التغيير السلمي الجاد، لا التغيير الصوري الذي يكرس الواقع ويجدد المعاناة، ولا التغيير العنيف الذي يجلب من الأضرار أكثر مما يتوخى منه من مصالح، معتمدا على حيوية الشباب وحكمة الشيب، متزودا بقوة الوحدة بين مكونات شعبنا فاتحادنا قوتنا. وحدة تنصف المظلوم دون تقصير، وتردع الظالم دون تجاوز إلى غيره.
كما أعول على المثقفين والأطر، وأخص بالذكر المدرسين معلمين وأساتذة والممرضين والأطباء وعموم الموظفين، دون أن أنسى من يسمح لهم القانون بالتصويت دون ممارسة السياسة، بالإضافة إلى جالياتنا في الخارج التي تضحي من أجل الوطن والمجتمع، والطلاب في الجامعات والمعاهد والثانويات، وغيرهم ممن يجمع بين الوعي والمعاناة. هذا بالإضافة إلى الطبقات المنتجة التي تضحي لينمو البلد من مزارعين ومنمين ومنقبين أهليين وصيادين تقليديين وأصحاب مهن حرة والكادين حلالا من بنائين وحمالة وسائقين وجزارين وأصحاب مؤسسات صغيرة ومعيلات أسر يعانين ومتقاعدين. وأصحاب التأثير والكلمة من أدباء ومثقفين وفنانين وذوي الأقلام والكاميرات من صحافة جادين ومدونين يقظين وكتاب متنورين..
وأقول للجميع إنني وبناء على برنامج انتخابي مُلزِم واستنادا على مسار سياسي نظيف منذ أيام أن كنت تلميذا في الثانوية، وتجربة استقيتها من سياسيين ضحوا سنوات طويلة من أجل التغيير، وأحزاب عانت، وشباب حلفاء وأصدقاء تعايشت معهم طيلة السنوات الماضية مع مسار الرفض وما يقتضيه من تضحية، وحصاد ذاتي نضالي وثقافي وتعليمي وحقوقي، بناء على كل ذلك فإنني سوف أسعى وبجدية ومسؤولية وصراحة وأمانة لتغيير واقع شعبي وبلدي ليلتحق بركب الشعوب المتطورة بوحدة وشرف وعدل وإخاء.
إخوتي أخواتي .....
أنا قادم من حيث قدمت أغلبية هذا الشعب العزيز، درست في التعليم العمومي مع أقراني من كل الشرائح والمكونات الوطنية، وتعلمت بأن ما يحصل من ظلم وتهميش منذ نشأة الدولة وحتى اللحظة، لا يمكن تغييره سوى بالإيمان بالمبادئ ومواصلة النضال وطرق الأبواب المغلقة.. لم تدفعني الظروف ولا الصعاب، إلا إلى الإيمان بأن صنع الفارق في بلدنا ممكن لمن يحثون الخطى ويملكون رؤية ويشعرون بآلام وتطلعات شعبهم.. جميع شعبهم.
إن تنوع خلفيتي الاجتماعية، في بلد ثري بتنوعه العرقي، جعلني أشعر بمعاناة جميع مواطنينا باختلاف صورهم ولغاتهم، وألمس من قريب بحثهم عمن يزرع في قلبوهم الأمل ويصنع التغيير، ويجعل من هذا التنوع نقطة قوة وجمال، لا نقطة ضعف وتنافر..
شعبنا العزيز
سبنني معا موريتنا جديدة تتأسس على فخرنا بتنوعنا الثقافي.سكريس موريتانيا المتصالحة مع نفسها، المستعدة لتداوي جراح ماضيها والمتحدة من أجل صالح أجيالها القادمة.
"بأيدينا أن نصنع المستقبل..".
حفظ الله موريتانيا
{وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.
والسلام عليكم ورحمة الله
المحامي والنائب العيد محمدن امبارك