مباني لها أجل المعاني/الولي سيدي هيبه

ثلاثاء, 28/11/2023 - 12:04

تزهوا دول العالم المتحضر بشموخ صروحها المؤسسية السيادية الراسخة ورسوخها في المكان وعبر الزمان منذ القدم، على غرار اليونان وإيطاليا والصين التي تباهي بعظيم أطلال مباني مؤسساتها السيادية والديمقراطية وصروحها الوظيفية العريقة في قديم عهود حضاراتها أيام جمهورية افلاطون وقياصرة روما ومخترعي البارود والعملة الورقي؛ أطلال مر على وضع أول حجر أساس لها أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وكما تتباهى هذه الدول بالصروح التي شيدتها سواعد الأحفاد على أساساتها بلمسة العصر وصرامة استمرار مسيرة التمثيل.

يفتخر الهولنديون بمبنى "بيننهوف" في لاهاي، كونه أقدم مبنى برلماني "في الخدمة" على مستوى العالم. ويعود تاريخ تشييده إلى القرن الثالث عشر، وهو مقر الأنشطة السياسية في هولندا منذ عام 1584.

يحتضن قصر ويستمينستر، الملكي العريق، بين جدرانه البرلمانَ البريطاني، أقدم برلمانات العالم حيث يعود تاريخ المجالس النيابية في بريطانيا إلى القرن الثاني عشر.

تقع الجمعية الوطنية في قصر بوربون في الدائرة السابعة بباريس على الضفة اليسرى لنهر السين، في مبنى يضم جميع المجالس الأدنى في البرلمان الفرنسي منذ عام 1799.

وليس السوريون في الوطن العربي بأقل، من غيرهم من الأمم العريقة، في تقدير ضرورة المؤسسات قيام المؤسسات الديمقراطية والعملية المتوزعة على شأن البلد ونهضته واستقراره. ففي التاسع والعشرين من أيار عام 1945 وجه الجنرال الفرنسي أوليفيا روجيه إنذارا إلى رئيس المجلس النيابي السوري دارت من بعده معركة انتهت بإلحاق القوات الفرنسية المحتلة ضررا كبيرا بالمبنى.

أما عندنا فبعد تسوية بناية مجلس الشيوخ بالأرض وقد شكلت منذ نشأة الدولة معصما ديمقراطيا ومستودع أصوات صادقة، وما تلى ذلك من إلحاق مؤسسات تعليمية وثكنات عسكرية بذات المصير، فقد أصبحت بناية البرلمان مستقر تزكية من قاموا بذلك من المفسدين ومسرحا للصراعات الأيديولوجية العقيمة.  

ويأتي إطلاق المشاريع البنيوية التي تكرس كامل الاهتمام بإرساء أساسات الدولة ورفع أساسياتها التي يتعين النظر اليها، خارج بعدها الهندسي المعماري وتجلياتها المادية، كاهتمام متأصل من رئيس الجمهورية بالمؤسسية وبالمؤسسات في ترسيخها والتمكين لها حتى تضطلع بأدوارها الحيوية في فضاء

- يكرس استقلاليتها،

ـ يحفظ خصوصيتها،

ـ ويبرز كامل دورها في تحقيق منعة الدولة وتعزيز هيبتها.

وليس بناء الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والمحاكم والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية ومقار الوزرات، إلا سعيا موفقا لتصحيح مسار جهاز الدولة الذي كان مختلا ولا يعطي التراكمات الإيجابية فاعليتها في الزمان المتحرر من القيود والعراقيل ويحضن مستودعها في المكان الذي تفصل من داخله مقاسات أهدافها الواعية.

كما أن قيام هذه الصروح ليس، كما ذهب إليه البعض من التسفيه تارة، والسخرية ووصف قيامها بالأحداث العادية وأنها مجرد مبان من الخرسانة تارة أخرى، وليس أنها - على العكس من ذلك - تحمل في رمزيتها ودلالاتها، التي تترسخ في الأرض وترتفع لتُعلم وتُحس، الإيمانَ بالمؤسسية والعمل على تكريسها وتأصيل منهجياتها.

فهل يعقل أن تبقى مؤسسات الدولة الدستورية القارة، كما كانت منذ نشأتها، تؤجر منازل غير لائقة مع ما يكتنز ذلك من غياب لرمزيتها ومساس بهيبتها وقد كان لزاما منذ النشأة أن تتجسدا بشموخ في رموز ومبان ودلالات تكرس نبذ ثقافة الارتحال والارتجال التي تؤثر سلبيا في مسار الدولة إلى استكمال مناطات الحداثة والمدنية والعصرنة.

ومما لا شك فيه أن هذا التوجه، الذي يندرج ضمن برنامج رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بات يتكشف بجلاء عن نظرة ثاقبة الى هذه المشاريع، كبنى مؤسسية سيادية صلبة، ويعكس توجها تقدميا في ترتيب سلم الاولويات ثوريا في استكمال مقومات مؤسسات الدولة الحيوية، النابضة بكل الاهتمامات الاجتماعية والتنموية من جهة، والناهضة بالدولة السوية من خلال قيام رموزها العتيدة المستكملة شروط النهوض العملية، والثابتة المستقلة في الأداء والشامخة على أرض صلبة، من جهة أخرى.