لا يمنع حق التعبير ولايعاب من قصور لغوي في أي مكان إلا أن يضر بمعتقدات الأقوام في حيزها، ويعوق سلم المجتمعات في بلدانها، واستقرار الأوطان بتفكيك نسيجها، مهما بلغ الخطباء في جزالة لغة التعبير أو على العكس تردوا في انحطاط الأداء. العبرة ليست في سلامة اللغة تركيبا، وإن كان ذلك مطلب ذائقة الآذان ومبتغى حصافة العقول، بل في نبل الحمولة اللفظية ورفعة المقاصد التعبيرية.
يروى أن أهل بلدة، عمها وباء، قصدوا ناسكا متعبدا في خلوته فرجوه أن يسأل الله لهم لمعرفتهم بصلاحه وإخلاصه في عباة الله، فأجابهم إلى ما أرادوا ورفع يديه إلى السماء وقال: ربي ارفع عن عبادك البلاءُ (بضم الهمزة). انصرف القوم إلى بلدتهم فرأوا الناس أصحاء والبلاء قد زال. لكن أحدهم من المتشددين في مسألة سلامة اللغة قال متهكما: ألم تلاحظوا أن الشيخ رفع مفعولا (البلاءَ)، رد عليه آخر كان أدرك سر الخطأ فقال : رفع البلاء ليرفعه الله فلا يظل منصوبا.
كم وزيرا في البلاد الظالمة نفسها أبهر ويفعل بقدرته البلاغية ومحتده، وهدم بتوظيفه هذه البلاغة من روافع الاخلاق لنهب المال العام وظلم المواطنين وكم سلب من الحقوق بسكين الالفاظ المخادعة تارة، وسلاطة اللسان الذرب تارة أخرى، في بلاد ذئاب الشعر ومسرح الجريئين على لي أعناق النصوص الفقهية لحيازة مغشوش الاقتناء المادي بأبخس أثمان التظاهر بالتقوى.