حتى لا نخسر السودان أيضا / أحمد ولد مولاي امحمد

ثلاثاء, 05/02/2019 - 12:22

لأن السودان هو الخزان الغذائي للوطن العربي، وخاصرة مصر قلب الوطن العربي، ولأنه رفض الخضوع للغرب الصهيوني على مدى أزيد من ثلاثة عقود متصلة، فإنه ظل هدفا للسياسات العدوانية الأمريكية الصهيونية، حيث نجح استهداف السودان في انشقاق جنوب السودان ليصبح دولة (مستقلة) وبقيت أزمة دارفور مشتعلة بهدف تحقيق المزيد من تقسيم السودان وتغييبه عن المشهد والفعل العربيين وتحييده عن القضية المركزية للأمة ومختلف قضايا الوطن العربي الجوهرية فضلا عن نهب ثرواته الهائلة.

لن أدافع عن أخطاء الحكومة السودانية في وجه الحراك الجماهيري الذي تشهده عدة مدن سودانية منذ أسابيع، لكنني سأقرأ مع الأشقاء السودانيين عناوين بارزة من المشهد العربي منذ 2011 مع بداية ما سماه الصهاينة وحلفاؤهم "الربيع العربي" وهي (الثورات) التي قادها الفيلسوف الصهيوني الفرنسي برنارد هنري ليفي بغية تقسيم بلدان الوطن العربي وإضعافها وتحييدها نهائيا عن أداء واجبها تجاه القضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال والغطرسة الصهيونيين.

بداية أود أن أنبه إلى أنني أعبر عن استيائي من وقوف حكومة السودان الشقيق مع متمردي ليبيا أثناء حركة تمرد فبراير 2011 التي قادها الصهيوني ليفي ودعمها اليهودي الصهيوني ساركوزي ونفذ عدوانها العسكري حلف شمال الأطلسي "الناتو" وبعض دول الرجعية العربية العميلة لواشنطن وآلت إلى خراب بلد عربي في غاية الأهمية الاستراتيجية للعرب وللأفارقة.

كنت أعتقد أن قادة السودان أذكى من أن يفوتهم خطر استهداف ليبيا من العدو الصليبي، ولم أتوقع من حكومة السودان "الانتقام" من موقف قديم للزعيم الليبي الراحل بخصوص دارفور حيث تبنى لاحقا نهج الوساطة لتسوية الأزمة في دارفور واستثمر في السودان أموالا هائلة، ومهما اختلفنا مع أي زعيم عربي فلا يمكن بأي حال أن يقودنا الانتقام منه إلى دعم مخطط تدميري لبلد عربي يقوده هذا الحاكم أو ذاك.

أتمنى من الإخوة السودانيين في مراكز صنع القرار سرعة التجاوب مع المطالب المشروعة للشعب السوداني بما فيها خفض الأسعار والقضاء على بطالة الشباب والتوزيع العادل للثروة لفائدة هذا الشعب الأبي، فضلا عن إرساء أسس سليمة لتناوب سلس وشفاف على السلطة وفق قواعد الديمقراطية السليمة.

لا أطلب من الرئيس البشير التنحي ولا يجوز أن نطالبه بذلك، لأنه على الأقل مدعوم من جماهير عريضة من الشعب السوداني من جهة، كما أنه مستهدف من الاستعمار الجديد والصهيونية العالمية، لذلك فإننا نتطلع لدعمه في وجه الاستهداف الغربي لسوداننا جميعا، إذا مكننا هو نفسه من ذلك عبر تبني سياسة تصالحية مع مواطنيه المطالبين ببعض الإصلاحات وبتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية وغيرها من المطالب المشروعة،

صحيح أن التغيير الطبيعي والديمقراطي يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع وليس من خلال الاحتكام إلى الشارع أو وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه في حالة استمرار الاحتقان والانسداد وإهمال هموم المواطنين وتطلعاتهم المشروعة تظل كل الطرق التي تؤدي إلى الانفراج هي الحل.

وفي المقابل أود من قادة وجماهير الحراك الشعبي السوداني أن ينتبهوا إلى ضرورة الحفاظ على سلمية الحراك ومدنيته والمحافظة على الوحدة الوطنية ومصالح الجمهورية السودانية قبل كل شيء، كما أدعوهم، كأخ ناصح من بلاد شنقيط، التي تحبهم، إلى الاستفادة من تجربة أشقائهم وجيرانهم الليبيين فلا يحولوا حراكهم إلى تمرد مسلح ولا يسمحوا لأي طرف خارجي أن يوجه حراكهم ويغير بوصلته في اتجاه يضر بالوطن.

ما حصل في سوريا ليس ثورة بل هو مؤامرة استعمارية رجعية لتحييد الجيش العربي السوري عن أداء واجبه في المواجهة المصيرية الحتمية مع الاحتلال الصهيوني وكذلك العراق، وهي تجربة يجب أن لا تتكرر، وما حصل في ليبيا ليس ثورة، بل هو تمرد وتخريب ممنهج منحته وسائل إعلام عربية ودولية مأجورة عناوين إنسانية وثورية جميلة، لكننا جميعا شاهدنا النتائج، وهي تدمير ليبيا وتحويلها إلى ساحة دائمة للاقتتال وتمكين تنظيم داعش والقاعدة وأخواتهما من رقاب المواطنين ووجود أكثر من حكومة في هذا البلد الشقيق الذي ظل على مدى أربعين سنة قبلة لكل العرب وكل الأفارقة الباحثين عن حياة كريمة واليوم بالكاد يحصل الليبي على قوته بعد أن فقد نعمة الأمن ونعمة الثراء حيث استولت القوى الغازية على ثرواته بالكامل.

وحتى لا نخسر السودان كما خسرنا ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وكدنا نخسر مصر وتونس، أتمنى أن يدرك السودانيون، حكومة وحراكا، خطورة الوضع، والعمل بسرعة على حلحلة الأزمة الراهنة محليا وعدم الاعتماد رسميا وجماهيريا على أي طرف خارجي مهما قدم من أموال وإغراءات، لأننا حين نصل إلى ما وصلت إليه ليبيا أو سوريا أو العراق أو اليمن فإننا سنخسر الوطن والأمن والثروة والسلطة، وسيحقق الاستعمار الجديد والصهيونية العالمية أهدافهما في السودان وفي بقية البلدان العربية التي سيتم استهدافها لاحقا وتلحق بركب البلدان العربية المدمرة، وساعتها لن يبقى من السودان إلا ما يقرر الأعداء إبقاءه دوامة للصراع والاقتتال والفتنة.

إننا، كعرب، مطالبون بالتركيز على الخطط والبرامج التنموية والنهضة الشاملة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك في غياب استتباب الأمن والسكينة والديمقراطية وتمكين المواطنين من ثرواتهم.