حلب التيس قبل الشياه؟/الولي سيدي هيبه

أربعاء, 22/10/2025 - 10:33

في لحظة مفصلية من تاريخ هذا الوطن المكلوم، تلوح بارقة أمل في الأفق بعد أن أصدر رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني توجيهاته الصريحة وأعطى تعليماته الصارمة بشأن تنفيذ ما ورد في تقرير محكمة الحسابات، في خطوة تُعد بمثابة إعلان رسمي لبداية مسار جاد في مواجهة الفساد، الذي نخر مفاصل الدولة، وأثقل كاهل المواطن، وعمق هوة الفوارق الاجتماعية.

لا شك أن الوطن عانى طويلاً من سطوة المفسدين، الذين امتصوا خيراته بلا رحمة، وتلاعبوا بمقدراته بلا وازع. فكم من مشروع تنموي حوِل إلى فرصة للإثراء غير المشروع، وكم من ميزانية اختفت بين أروقة الصفقات المشبوهة، وكم من مسؤول جعل من المنصب وسيلة للنهب لا للخدمة، فيما كانت العدالة غائبة، أو مغلولة، أو موجهة ضد الضعفاء فقط.

لم يكن الفساد مجرد أخطاء إدارية أو تجاوزات فردية، بل تحول إلى منظومة محكمة، لها أدواتها، وحماتها، وقوالبها القبلية الرجعية، التي وفرت غطاء سياسيا و"قانونيا" لكبار المفسدين، وشرعت لهم أبواب الإفلات من العقاب. وحتى حين كان يكشف الستار عن بعض الجرائم، كانت سرعان ما تطوى الملفات، ويقدم صغار الموظفين كأكباش فداء، بينما الكبار ينعمون بالحصانة والجاه.

وبينما كانت المليارات تبدد، كان المواطن البسيط يصارع يوميا من أجل لقمة العيش، في ظل بطالة مستشرية، وخدمات منهارة، وتعليم يتآكل، وصحة تحتضر، وعدالة اجتماعية مفقودة تحت وطأة نظام يحمي الفاسدين أكثر مما يحمي الفقراء.

إن الوطن لم ينهك فقط ماليا، بل أُنهك أخلاقيا ونفسيا، حين رأى شبابه الكفاءات يقصون، والفاشلين يتقدمون، فقط لأنهم من حاشية النافذين.

إن أخطر ما فعله الفساد هو تقويض ثقة المواطن في دولته، وتكريس الإحباط كقدر جماعي، حتى بات الحديث عن الإصلاح يقابل بالسخرية، لا لأن الناس لا يريدون الإصلاح، بل لأنهم لم يعودوا يصدقون بوجوده.

من هنا، فإن الخطوة الأخيرة لرئيس الجمهورية لا يجب أن تقرأ بمعزل عن هذا السياق الثقيل. إنها ليست فقط محاولة لتطبيق القانون، بل محاولة لاستعادة الثقة، وتوجيه رسالة حاسمة مفادها أن الدولة لم تعد رهينة مَن راكموا الثروات باسم التنمية، وأهدروا المال العام باسم المشاريع، وسرقوا مستقبل الأجيال القادمة تحت ستار الشرعية والسلطة.

وقد يشبه ما يحدث الآن بقصة الراعي الذي أمسك بتيس القطيع وراح يحلب زوائده، ولما استنكر عليه الناس فعله قائلين:

-أتحلب زوائد تيس؟!"،

رد بثقة:

-أفعل ذلك لتعلم الشياه أنني قادم إليها.

إنها رسالة رمزية، لكنها قوية: البداية ستكون بمن يمن على فوهة البركان وعين الاعصار، لكن الهدف الحقيقي هو الوصول إلى رؤوس الفساد الكبرى، مهما طال الزمن أو تعقدت الطرق. فلا يمكن بناء وطن سليم على أنقاض الظلم، ولا يستعاد الأمل ما لم يستأصل هذا الورم الخبيث الذي اسمه الفساد.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة العادلة، التي لا تحكم بالولاء، ولا تنفق بالقرابة، ولا تكافئ بالفساد، بل تبني على الكفاءة، وتحاسب بالعدل، وتُعيد توزيع الثروة بما يضمن للفقير حقه، وللوطن كرامته.