أصفاد العبثية/الولي سيدي هيبه

أحد, 07/09/2025 - 14:15

إعادة نشر (نشر في 17 فبراير 2013)

"...الشعب المصاب بانفصام الشخصية المزمن يتعلق - في ظل الأجواء المحكومة بالعقلية الرجعية "السيباتية" الصارخة -  بأهداب أوهام مهلهلة، نابعة من وعي ناقص ومتأرجح"

في بلاد "التناقضات الكبرى"، تستنبت - وبعد حين - القبائل القوية أطرافها المبتورة، تماما كما تفعل بعض أنواع الزواحف والسلاحف، مع فارقٍ أنها تختلف كل مرة عما كانت عليه، بحيث تصبح أشد سما، وأمضى فتكا، وأبرز شوكًا، وأشد وخزًا وأقوى إيلامًا.

إنها المنظومات، التي لا تنحني لسنة التطور، وقد أعدّت نفسها، وتعهدت بأن تواكب لأتباعها - منذ كانت الدولة في طور "السيبة"-التحولات، وتلعب أدوارا فاعلة فيها، حفاظا على بقائها في كل لعبة مستجدة. وقد شحذت، لأجل أهدافها، أدواتها الرجعية الحادة، دون اكتراث بما يلحق بالوطن من تأخر، نتيجة نهب مداخيل مقدراته، ومقايضتها مع الشركات العالمية الكبرى مقابل فتات من تحت الطاولة، وكذلك التحايل على ميزانيات القطاعات العاجزة.

لكن الأخطر أن الشعب – المصاب بانفصام الشخصية المزمن – وفي ظل هذه الأجواء المحكومة بالعقلية الرجعية "السيباتية" الصارخة، يتعلق بأهداب الأوهام المهلهلة، النابعة من وعيٍ ناقص، متأرجح بين:

  • خوف مبرَر من حاضر قَلِق، وتأثر لا إرادي عميق بالقوالب الماضوية،

وبين:

  • نخبة متعلمة، لكنها منكوبة عقليا، ومكبلة بأصفاد الرياء والادعاء، وأغلال خيانة مواثيق العلم والثقافة، ماضية في نكوصها عن عهود المعرفة، واستساغة غياب المخرج المتوج لجهد البحث والتأليف والنقد، وكذلك في نبذ العمل، واتباع مسالك الطمع الرخيص.

وقد تمخضت عن هذه الوضعية المتشابكة حالة عصية على الفهم، تربك المتابعين للشأن الوطني، والمهتمين بمسار البلد السياسي؛ يختلط عليهم الأمر، فلا يستطيعون بناء قراءة مستنيرة وشاملة، ولا تحليل منطقي قويم، بما يتداخل لديهم من صورة معرفية مسبقة عن البلد، وما ترسخ في أذهانهم من أوصاف سامية من جهة، وما يكشفه الواقع عند الاحتكاك من سوء أحوال على كافة الأصعدة: المادية، والمعنوية، والحضارية، والمدنية، والعلمية، والثقافية في جميع فضاءاتها المتخصصة.

وهم، في ذات الوقت، يرون - في كل أرجاء العالم - عمارةً ذات طابع، ومسارح ذات رسالة، ومكتبات مشعة، وساحات عمومية جميلة، وبنى تحتية لائقة وخدمات متنوعة منتشرة. أما هنا، فعلى العكس، يخال إليهم أنهم وصلوا إلى "المنكب" على متن مركبة عابرة للزمن، أعادتهم إلى عصور غابرة، لا يجدون فيها حتى "مربدا" للشعر، تحمل فيه القوافي رافعات للهمم وحافظات للقيم.

بعضهم تذهله "الارتجالية" التي حذفت مفردتها ودلالتها من قواميس لغات جميع الشعوب، في حين بقيت في المنكب متشبثة بكل قشة يحملها سيل الهموم الجاري، والمنهمر من:

  • أمطار الخلافات البيزنطية،
  • والمغامرات الطمعية،
  • واستسهال التحصيل بالمكر والنفاق والغدر والتآمر والحيل والمغالطات.

خلافات لا يهدأ لها قرع الطبول، ولا تتوقف فيها المكائد، وإعداد المصائد السياسوية، والشراك التسييرية، والفخاخ الحقوقية، وإشعال الحرائق في سوحها لإخمادها لاحقًا بالمال، ثم جني المكاسب من ورائها، في غياب أي بناء أو إصلاح حقيقي للشأن العام.

وتظل "حليمة"، في هذه الرحلة "السيزيفية العبثية"، "سيدة" الحالة، تجاهر بولائها وتمسكها بعادتها عند كل منعرج، أو مستجد، أو استحقاق. ويظل الرياء، وتدهور القيم، وسيادة المال العام المنهوب بلا رحمة – والحاصل من تجارة الممنوعات، والأدوية المغشوشة، والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية، وتبييض الأموال – قائما بلا وازع ولا رادع ولا زاجر. وتظل التغطية الشرعية عبر "لي أعناق النصوص الفقهية" هي كذلك سيدة الموقف، بلا منكر ولا مستنكر؛ ليبقى كل أولئك "عملةً" للتبادل، و"فضاء" للتفاضل، لتمييع المسار أمام دولة القانون والمواطنة.