إن صمت الغرب المطبق على المجازر الوحشية، التي ترتكب في غزة، عرى عقدة "السامية" وكشف ضعفه الشديد أمام الصهيونية العالمية، وإن تواطأ الولايات المتحدة الامريكية تجاوز كل الحدود وفضح أكثر نواياها الحقيقية تجاه الوطن العربي.
ولما أن مواقف بعض الدول العربية المطبعة ألحقت بها العار، فإن دولا أخرى كانت على وشك التطبيع، لا يفضلها عنه إلا أن تستعجل إسرائيل الأمر. وفجأة أحدث القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية حول الوضع في غزة التي والمنعقدة في الرياض يوم 11 نوفمبر 2023، ما لم يكن في الحسبان.
فلقد خلخل حضور الدول الغير عربية في القمة المزدوجة إبرة البوصلة العربية المضطربة وفرضت تغيير المواقف لتتحول من الصمت والتغاضي إلى إعلان الشجب والمطالبة بوقف العدوان الغاشم على غزة الصامدة.
وخلال القمة، التي التهبت الخطابات بزفرات الغضب الحارقة لتخرج بعض النفوس المكبوتة أثقالها، اتفق المجتمعون على إدانة العدوان بأشد العبارات، وتعالت الأصوات المطالبة بوقف العدوان وفتح الممرات ومساءلة إسرائيل عن جريمة العصر التي ما سبقها إليها بلد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا الخضم الملحمي أبرز خطاب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، موقف الدولة الحاسم والحازم، وقد استهله بتعرية ـ لا لبس فيها ـ لنوايا قادة الكيان الصهيوني بإحداث نكبة أخرى وطرد الفلسطينيين من ديارهم، حيث قال:
"لا يمكن اعتبار ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم، في قطاع غزة، إلا تصفية ممنهجة وإبادة جماعية، مكتملة الأركان، تنفذ في وضح النهار، أمام أعين العالم.
وإن مشهد الدمار الهائل، وآلاف القتلى، وعشرات آلاف المشردين والجرحى، من النساء، والأطفال، والمسنين والأبرياء العزل، الذين لا ينجون من القصف، حظا، إلا ليموتوا جوعا، وحصارا، وعجزا عن الاستشفاء، لمن أبشع صور الجرائم ضد الإنسانية".
ويتابع رئيس الجمهورية متسائلا:
"فأين هي قداسة حقوق الإنسان وكرامته؟
وأين هي القيم الإنسانية والقانون الدولي؟
ثم لا يترك كلمته بحق المجتمع الدولي المُعْرض عن التدخل بالقوة المفروضة لإنهاء الهمجية الصهيونية الأمريكية الغربية الغاشمة فيقول:
"والأنكى من ذلك، إحجام المجتمع الدولي، عن التدخل بالثقل المطلوب لوقف إطلاق النار ولتأمين دخول المساعدات من أغذية وأدوية وماء ووقود وكأن كرامة الإنسان وحقوقه، تتفاوت قدسيتها بحسب الانتماء.
وإذا كان البعض يعتبر أن مواقع الدول العربية في مجملها هزيلة أن ما بدر منها تأخرا كثيرا من ناحية، فإن البعض الآخر يتفاءل بهذا التحول في المواقف ويأمل أن تكون الخطوات العملية، التي وعدت بها القمة في بيانها الختامي، ستشكل إسهاما حاسما للجم إسرائيل وفرض حل الدولتين وفقا لقرارات الأمم المتحدة بشأنها؛ قرارات وظلت إسرائيل تضرب بها عرض الحائط وتتمادى في قضم الأراضي الفلسطينية ولاستمرار المتعمد في احتلال مزارع شبعا في لبنان وهضبة الجولان السورية.
ولقد شكلت، بحق، هذه القمة فرصة حقيقية واستثنائية للشعوب العربية والإسلامية لتغيير الموازين وإملاء إرادتها على حكامها الذين دفنوا القضية المركزية للأمتين العربية والسلامية وعرضوا القدس الشريف لحملات التدنيس المتكررة، وحتى تتبع الأقوال أفعالا تتمخض عن ضغط حقيقي على دولة إسرائيل "المارقة" على القانون و"المستهترة" بحقوق الأنسان العربي الفلسطيني منذ خمس وسبعين عاما.