ورقة أعدت بمناسبة الملتقى الدولي السادس للفكر الصوفي عند الشيخ ماء العينين من 14 الى 25 ماي 2023، تحت شعار: التصوف منبع اصلاح القيم الكونية – كلميم باب الصحراء
مؤسسة الشيخ ماء العينين للعلوم والتراث بشراكة مع المركز الجامعي للدراسات والبحوث بجامعة محمد الأول بـ"وجدة"
التصوف Mysticisme/Mysticism
مصطلحا وظاهرة وفلسفة تأملية ووحدة التجربة الروحية للإنسان عبر الزمان والمكان،
يكاد يوحي، بهذه الأوصاف، التصوف للكثيرين من الباحثين بأنه "حنين الإنسان المتدين في أن يسكن عالما إلهيا، بمعنى أن يعيش في عالم طاهر ومقدس كما كان في البداية "آدم" عليه السلام. ويتميز التصوف،
عند الفرس بالبعد الفكري أكثر من السلوكي، فكان نهجهم أشد قربا من الفلسفة، لأنه احتفى بأفكار خاصة جد قريبة فيها، لاسيما عند ابن سينا وتصوفه الفلسفي الذي وضعه في خدمة الحقيقة الدينية، ووسيلة عملية لبلوغ السعادة عن طريق اليقين الذي هو أرقى أشكال المعرفة. والتصوف عند الزرادشتية تحديدا درجة عالية من النظر وإعمال البصيرة حتى تنكشف للعقل الحقائق الإلهية
اعتبرته الديانة البوذية "والنيرفانا*" حالة من السعادة والسلم المقيم والقداسة الكاملة والتجرد من كل الشهوات الجسدية وتحرير الفرد من عودته إلى الحياة.
ويقر المستشرقون - من وجهة نظرهم - بأن التصوف استمد أصوله من الفكر الهندي (البرهمية) والبوذية التي تعددت فيها الطرق والمذاهب (التيبتية "المؤمنة بالتقمص" والزن اليابانية)، وهو ما تجسد عند المسيحيين في ظاهرة الإماتة، أي إماتة الجسد بالقضاء على الرغبات والنوازع والاهتمامات والتركيز على الفكر فقط.
ومعلوم أن الهند بلاد قديمة في التاريخ وقد كانت بيئة صالحه لنشأة مختلف العقائد بما فيها الصوفية وهي وجهة الكثير من الغربيين المهتمين بالتأمل الذين كانوا بسلمون بأعداد كبيرة بعد أن أخذوا عن الهنود مذاهبهم المختلفة وتعمقوا في البحث حتى وصلوا إلى الإسلام.
وكان "التصوف" في أغلب العصور وعدد كبير من رموزه وأعلامه ضحايا لجهل عامة المسلمين، وسوء فهم المتدينين، وغيرة المتفقهين، واستعلاء المتثاقفين، وعسف الحكام. وربما يتحمل المتصوفة بعض هذا الظلم، ولكنهم زهدوا في دفعه عن أنفسهم، واحتسبوا أرواحهم قربانا لما آمنوا به بصدق لا يُبتغى به إلا وجه الله ذو الجلال والكرام.
تناول الدكتور أبو العلا عفيفي (1897 – 1966) في كتابه “التصوف.. الثورة الروحية في الإسلام” بعمق وتقدير شديد وصل درجة الحب عالم التصوف الرحب، ورؤية الصوفية لله والعالم والدين، فبعد نحو أربعين عاما من انشغاله بميدان الفلسفة الإسلامية باحثا ومحاضرا ومؤلفا ومحققا مستفيضا في الشرح ومهتما بالترجمة، أصدر هذا الكتاب، وسجل في مقدمته أنه لم يرَ في النزوع الروحي “أكثر خصبا وإشراقا ولا أعمق أثرا في توجيه الحياة الروحية في الإسلام، من التصوف الذي يلتقي فيه الدين مع غيره من الديانات”، وقد خضعت هذه الأديان لما خضع له الإسلام من ضروب في الفهم والتأويل.
وفي مسألة فهم قضايا الدين وتأويلها لا يُطرح مصطلحا الصدق والكذب، أو الصواب والخطأ، “بل هي مسألة العمق والضحالة في درجة "الروحانية" التي تظهر في فهم الإسلام وتعاليمه كما نراهما في التراث العقلي والروحي الذي خلفه المسلمون”
المدرسة الصوفية المعينية.. النموذج الراقي والنبراس الواقي..
استثنائية المكان وفرادة الزمان
الشيخ ماء العينين.. إمام الصوفية وحكيم الصحراء ومحارب المستعمرين الثلاثة
11/5/2022 يونس مسكين
من قلب بلاد المرابطين خرج إلى العالم، ورحل مخلّفا علما ومدرسة ومنهجا في الدين والحياة، وبين بداية ونهاية جابهه إمبراطوريات زمانه، بدءا من بريطانيا ومرورا بإسبانيا ووصولا إلى فرنسا.
ألف بين قلوب آلاف المريدين، واستمال خمسة من سلاطين المغرب الذين عاصرهم في رحلة مقاومته الفكرية والسياسية، وقضى الشطر الأكبر من حياته خليفة لهم في الشطر الجنوبي من مملكتهم.
هو رجل من طينة أعلام الفكر في العالم الإسلامي، أمثال الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ومحمد عبد الوهاب، ومن رجال العلم والوطنية في المجال المغاربي أمثال عبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار.. وينتمي في التصوف إلى الطريقة الفاضلية المنبثقة عن الطريقة القادرية.
اكتسى التصوف لدى الشيخ ماء العينين طابعا استثنائيا انفرد به في عموم معنى التصوف، وفي خصوص معنى التصوف دون عمومه وكان هذا التصوف يعتمد على روافع ثلاثة:
ـ رافعة الدين في أصله وجوهره وفروضه، وما يتعلق بالعبادة وشمول أحكامها.
ـ الرافعة الثانية وهي رافعة الجهاد بقيم ومبادئ التصوف في وسطية ألغت الفروق ورمت بها بعيدا عن طريق تربية النفوس وإصلاح سلوك الامة في التعامل، وهو ما جعل الشيخ مدرسة صوفية مجددة تدرس فيها كل العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية النافعة أيضا التي تجد هي الأخرى نصيبا من تلقينها ونشرها لضرورات الحياة وحراكيتها.
ـ الرافعة الثالثة هي رافعة الجهاد حيث أن التصوف لدى الشيح ماء العينين عمل بقوته مضاعفة في ملحمة الجهاد التي قادها، وسطر ملاحمها الفريدة أهلٌ المنطقة كلها ضد الغزو الفرنسي والكفر الذي يستبطن. وإذ كان هذا التصوف سيفا بتارا سلطه المجاهدون على رقاب الفرنسيين وأعوانهم وظلوا يذيقونهم شتى أصناف الهزائم والمهانة والذل حتى كانت تكشفت في الأفق بوادر التحرر واتضحت معالم تأسيس نواة الدولة المركزية الأولى.
واذا كانت المدرسة الصوفية المعينية من الفاضلية القادرية، فإن الشيخ ماء العينين استطاع أن يؤسس دولة روحية ونفسية ومجتمعية وجهادية وسياسية مركزية أسست لاجتماع الناس فيها وتعاونهم لتوطيد أركانها والسعي في مناكبها الى العلم للجميع على التقوى المكينة بكل مراتبها الثابتة، وفي ذلك يقول العلامة محمد العاقب بن مايابى الجكني:
حضرتُ مجلسَ إمامِ الــنصحا ماءِ العيونِ بعدَ أنْ صلى الضُـحى
يُحَدِثُ الــــــــــناسَ بدينِ أحــــــــــمدِ يقــــــــولُ وهْوَ جــــاــــــــــــــــلسٌ بالمســــــــجِدِ
إنَ التُقى وهْوَ أعَزُ ما كْتَسَــــبْ ذو هِـــمةٍ يَـــأتى على خــمـــــسِ رُتَـبْ
تُقًـــــــى يُخـــــَــــــلِصُ منَ الخُـلـــــــــودِ وهْو اتـــــــــقــــاءُ الــــــشِــــــــرْكِ بالـــــــــمَعْــبـودِ
وما ـيـــَقِى الدُخـولَ فى الـــجحيمِ ُوَ اتــــــــــقـــــاءُ الزلَــــــــــــــــــــــــــــــلِ العــــــــــــــظيمِ
وما يُنجي من عذاب المســـــــلم في قبــــــــــــــــــــــره هو اتــــــــــــــــــقاء اللــــــــــــمم
وما يقــــــيكَ منْ مـــــكارِهِ الــــــــــــدُنا هُوَ اتــــقـــــاءُ الشُــــــبُــــــهاتِ والـــــــخـــــــــــــــنا
ومـــــــــا بهِ تُســـــــْتَجلَبُ الأفــــــــــراحُ هوَ اتــــــــقـــــــــاء بــــــعــــــــض ما يُـــــــــــــــبـاحُ
فَرُحـــــــــتُ مُصغيًا لِــــما حـــــــــكــاهُ وصــــافَـــــــحَتْ يـــــــــــُدـــَيَــــــــتى يَـــــــــــــــــــــــداهُ
فَعـــادَهُ عَلَيَ حــــتـــى اســـــتــــــكملا حَــــــــــــديـــــــــــــــــثَــــهُ كـــــــــــــــمـــا بَــــــــــــــــــداهُ أَوَلا
وإن أثر هذه المدرسة المعينية ظاهر لا تنكره العين وتغص به المكتبات على رفوفها والجامعات في مناهجها والمحافل على كثرتها وتنوعها :
- مهرجانات،
- لقاءات علمية،
- تظاهرات فكرية،
- ملتقيات صوفية،
- ندوات علمية،
- حلقات بحثية،
- لقاءات دعوية،
فإن حضور أبناء وخريجي هذه المدرسة محملين بكل أنواع العلوم، وملتحمين ومجددين بمنهجية وأسلوب العصر، حضور يتركون خلال هذه التظاهرات والتجمعات بصماتهم ويأخذون ليعيدوا الكرة عندما تتجدد المناسبات عاما بعد عام ، لتظل هذه المدرسة المعينية الصوفية الحديثة والضاربة معا في عمق الماضي المستنير؛ ماضي الفتوحات الدينية الكبرى الميمونة، تسهم بلا توقف لتجدد على الدوام حضورها.
ولأن ظاهرة أو مصطلح التصوف، إذا ترجم إلى كل لغات العالم الحمالة للفكر الإنساني وتقريبا للمفاهيم الروحية والفلسفية حوله، في منطلقاته ومبادئه وغاياته، فإن التصوف لدى كل الديانات والفلسفات هو مرحلة من السعي إلى تحقيق تجرد النفس من أدران الدنيا وغرور متاعها وأوهامها التي:
ـ أولها الجنوح إلى القوة التي تبسط على الآخر ليذل ويهان،
ـ وثانيها ملك ما فيها وحرمان الآخر حتى لا يعطى إلا الفتات،
ـ وثالثها الظهور على الآخر بالشكل والمضمون، وفي الانتماء والمرتبة وفي مناهج التعامل.
لكن عندما يكون التصوف مرتبطا بالله عز وجل من خلال معرفته حق المعرفة وعبادته كما يليق بجلاله لا طمعا في الجنة أو في متاع الدنيا، بل تجسيدا لذلك الخوف من الله الذي هو في جوهره:
ـ غداء الروح،
ـ ومرضاة النفس،
ـ وغنى عن الماديات،
بعدما وصل مرحلة التعالي عن الغنى الدنيوي الى غنى لا يدركه الا أصحاب المراتب المتقدمة في التصوف.
والشيخ ماء العينين من هؤلاء وقد ورث الطريقة للوصول إلى أعلى المراتب فيه، من أبيه الشيخ محمد فاضل ـ مؤسس الفاضلية المتفرعة عن القادرية ـ التي ورثها عن أبيه الشيخ مامين، عن أبيه الشيخ الطالب اخيار، عن أبيه الطالب محمد، عن أبيه أجيه المختار الذي ورثها عقيدة خالصة مصونة من عوالق الدنيا، إلى مرضاة الله مسلكها، عن أبيه الطالب الحبيب، إلى فاطمة الزهراء البتول بنت خير البشر، شجرة نبوية شريفة وسلسلة ذهبية يحفها جوهر التصوف سلوكا طاهرا به الموصل إلى معرفة الله سبحانه وتعالي.
وإذ تجوز المقارنة مجازا بين التصوف لدى المسلمين، من خلال مدارسه الخالصة، والمظاهر التي ذكرنا أنها تقترب منه عند الديانات والفلسفات المتبعة من طرف شعوب كثيرة، حتى يظل هذا التصوف لدى المسلمين متفردا بأنه الذي يسمو حقا بالنفس سموا يصلح لها الدنيا ويعد لها ثواب الآخرة، فيما يبقى الآخرون ضمن المفاهيم والفلسفات التي ذكرنا انها من باب المقارنة تسعى الى مثل هذا السلوك وبعض سمات الاخلاق التي تتصف بالتجرد وصفات أخرى حميدة، ولكن أهلها بعيدون كل البعد عن تجسيدها سلوكا روحانيا خالصا، لبعدهم عن الإسلام، "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" وهم، بالنتيجة، "من الخاسرين".
-------------------------
الزرادشتية: تعرف أيضا بـ «بمازداياسنا» -الإخلاص لمازدا- والمزداوية. تطور هذا المعتقد من الديانة الفارسية القديمة متعددة الآلهة، التي كانت تعد أهورامزدا الأعظم بين مجموعة الآلهة، وعلى غرار الزرادشتية اللاحقة، كانت ترى الحياة صراعًا بين قوى النور والخير وقوى الظلام والشر.
النرفانا: مفهوم في الديانات الهندية (البوذية والهندوسية والجاينية والسيخية) يمثل الحالة النهائية للإفراج عن الخلاص، والتحرر من إعادة الميلاد المتكرر، حالة من الهدوء التام والحرية والسعادة القصوى بالإضافة إلى التحرر من أو إنهاء دورة الولادة والحياة والموت المتكرر.
الزن (البوذية): يتميز أتباع هذا المذهب بممارسة التأمل في وضعية الجلوس -زازن- كما يشتهرون بكثرة تداولهم للأقوال المأثورة والعِبر.
البوذية التبتية: إن هدف الماهايانا من النمو الروحاني هو بلوغ استنارة مقام البوذا من أجل مساعدة كل الكائنات الواعية على بلوغ هذه المرتبة (عقل اليقظة)، وهي نيّة إيثارية ليصبح المرء مستنيرًا لأجل جميع الكائنات الواعية.