ومرة أخرى قام البعص، كما كان يفعل في كل مرة، بالحساب قبيل كل مهرجان من مهرجانات المدن القديمة للأموال التي تصرف لتنظيمها على حساب الخزينة العامة لفائدة ثلة من "المحظيين" وفق معايير انتقائية ظالمة دون الشعب - في جمهوره الكبير المتعطش إلى استيعاب تاريخ - على حساب الخزانة العامة، فيقفون مندهشين أمام فداحة الخسار وغياب المخرج الذي لا يرفع شأنا للبلد ولا يعود بالنفع لفائدة تغطية متطلبات التنمية المرجوة لصالح المدينة وساكنتها.
إنها مئات الملايين تذهب جفاء في الوقت الذي تشكو فيه الصحة نقصا حادا في المستشفيات والمستوصفات والمخابر والأدوات والكادر الطبي ونقص التكوين والتدريب والتأهيل، ويشكو التعليم إعادة مكثفة للاعتبار.
إنها العادة السرية التي ابتدعها وأقرتها العشرية في خضم تحوير كل معالم البلد (العلم، العملة، النشيد الوطني كلمات والحانا، القضاء علي غرفة الشيوخ لاستبدادها بآلية مبتدعة، بعيدا عن الحسابات المنطقية، لاسترجاع الاقطاعية) وإدخال الشطط في إعادة قراءتها الخاطئة ووضع البصمة الديكتاتورية على خصوصيات البلد.
لا أمة اليوم تستهتر مطلقا بتراثها مثل ما يتمم فعله على خلفية غياب مَفهوم الدولة وما يمليه من وجوب التريث قبل اتخاذ أي قرار وحساب المآلات.
في تيشيت انقطاع للكهرباء مزمن لضعف مصدرها مما سيستوجب إحضار مولدات محمولة بتكاليف باهظة لتأمين مجريات المهرجان الكرنفالي وإبهار سلك ديبلوماسي يعلم وضع البلد ولن يغتر بها من سيحضر ديبلوَاسيا ومجاملا، والوفود المدعوة بالتعويض للإبهار دون الاكتراث بالنتيجة الكارثية على الميزانية وعلى البرامج التنموية الضرورية ذات الأولوية القصوى.
إن معالم مدن موريتانية القديمة لا تحتاج إلى التدمير بعوامل الصوت والحركة والتلوث للتعريف بها، فهي مدرحة في قائمة التراث العالمي. يجب أن لا تفتح ابوابها إلا لكل باحث أمين يريد استقصاء تاريخها لإفادة الحركة التاريخية العالمية، أو لتدر مالا كسلعة تاريخية بديعة لا تقل أهَية عن الأهرام المصرية وقصور تدمر وحائط الصين وأهرامات المايا والانكا ومعابد بانكوك والهاسا التيبتية والكوليزيوم والاكروبول ونغارات لاسكو وغير هذه المعالم التي تزار بالمقابل المادي في َمواسم معروفة لتجنب الدمار.
الرباط 18/01/2023