يصعب التصديق أنه بعد واحد وستين عاما من الاسستقلال ما زالت العقلية والسلوك السيباتيين مستحكمين في التفكير والممارسة.
ترى ما هو مرد ذلك والدولة صرفت منذ نشأتها الأموال الطائلة لتعليم ثلاثة أجيال وقد أرسلتهم بمنح دراسية إلى العديد من دول العالم الغربية والعربية والافريقية حتى تخرجوا في جامعاتها ومعاهدها ومراكز تكوينها الفنية العليا وحصلوا من كل التخصصات العلمية والعلوم الانسانية، دكاترة ومهندسين، أطباء، طيارين ومحامين وقانونيين وضباطا سامين واقتصاديين وأكاديميين وقضاة من تونس ومصر.
واستغلت َعلى مدار كل هذه العقود مناجم النحاس حتى أخر حجر والحديد حتى مراحل التشبيع، واستغل البحر فتم صيد السمك من سطحه وفي أعماقه الزاخرة بكل أنواعه. كذلك شفط النفط حتى آخر قطرة والغاز ينتظر.
وعلى الرغم من كل هذا ما زال البلد في مؤخرة الركب الأممي يتعثر، وقد رمى أفراد هذه النخبة، التي أفرزها التعليم، واَراء ظهورهم كل ما حصلوه من المعارف والمهارات لينغمسوا في بحار الغلول والنهب الممنهج والفساد التدميري وإذكاء الحزازات والنعرات القبلية والشرائحية والاثنية لكسر وتيرة مسار الدولة التي أرسى المستعمر الفرنسي أركانها وأبرز منطلباتها على أنقاض "اللا دولة" وأوكل قيادة مشرور التأسيس إلى رعيل لم يلبث أن أقحم البلد في حرب ضروس أعادته الى مربع "سيبة" لم يتنكر لها المتعلمون و متهم المنخرطون في الحركات الايديولوجية وكالقومية والاسلاموية والحركات الحقوقية، بل وإنهم من ركب الانقلابات موجة ومطية إلى تقاسم الحكم مع العسكر بعد ما أثنوه عن العودة إلى ثكناته، وليستشري الفساد على أيدي الفريقين ويعيدا، لحسابات الابقاء على الوضع كما هو، الاعتبار للنظام القبلبي من بعد إفراغ القبيلة من مضامينها النبيلة واعتماد مثالبها، كما استخدم "المثقف" المتحور، مدفوعا ومحميا من ظهيره القبلي، شهاداته للقفز دون تجربة أو عطاء ميداني إلى مناصب الكبيرة حتى يبدأ جمع الثررة بالنهب وتعمد الفساد بلا وازع زيني أو أخلاقي أو وطني.
ومنذ ذلك والفساد يتدحرج ككرة الثلح في دورة سيزيفية لا تبقى ولا تذر.
فهل نرى قريبا بوادر إيقاف النزيف وعلاج الهزال وتصحيح المسار؟