دورة النفاق والبهتان تتجدد بين الغدر وعذوبة اللسان في فضاء سيبة السلوك وعلى صهوة الزمان.
وفي خضم أحدث دوراته تمر نفسية اهل بلاد التناقضات الكبرى- المتحجره في كهوف ظلامية القرون المنصرمة- بمطبات غير مسبوقة أيقظت نائم السيبة الغاشمة. فالمشهد التواصلي - الذي هبط عليها، كالملابس والشاي، من سماء بلدان العلم والعدالة المشتهاة والديمقراطية المطلية هنا بدهان السيبة المفترية على الشورى - مشهد تفوح منه رائحة النفاق في عجز كل بيت قصيدة وصدره وفي كل قافية بجميع الحروف الابجدية وعدد البحور الخليلية.
في المنكب البرزخي يمثل التمرس على شحذ الألسن لشبه تأليه الأفراد (le culte de la personnalité) بكاذب الوصف وبطأطأة الرؤوس ونفخ الحناجر ومصاحبة قرع الطبول والتصفيق؛ يمثل خطا عريضا من ثقافة المجتمع وعادة دفينة لا تغادر النفوس أو تبرح السلوك.
ولإن كانت هذه العادة لا تنتمي للمدنية والحداثة ودولة القانون، فإن الممارسين لها اليوم ليسوا سوى حفدة الآباء والأجداد بفارق الزمن الذي بقي قابعا في الحروف المنافقة والحناجر التي لا تخجل.