نظمت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (HAPA) يومي 28 و29 دجمبر الجاري في نواكشوط أحد أهم الملتقىات التفكيرية حول "الضبط والحكامة الديمقراطية" حضرته جميع السلط الضبطية الوطنية واللجنة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (CNDH) واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات (CENI).
ولقد كانت أول نتائج هذا الملتقى المتميز نوعا وكما السبق إلى التعريف بعديد السلط التي تعاني من غياب شبه كامل "للمرئية visibilité" رغم المهام الموكلة إليها، وتكشف النقاب عن:
ـ مجالات اهتمامها،
ـ طبيعة أنشطتها،
ـ إنجازاتها،
ـ آفاق المستقبل
لجمهور عريض ومتنوع من الحاضرين، ثم لاحقا لجمهور أوسع من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت جوانب متعددة من فعاليات الملتقى وقد تقاسمت "الإخبار" عنه مع وسائل الإعلام مواقع الكترونية والصحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية غطت كلها التظاهرة.
واستطاع الملتقى أن يبرز في سابقة استثنائية أن "موريتانيا" لم تسلم من اتباع "موضة" إنشاء السلط "الضبطية" التي انطلقت للاضطلاع بمهامها الضبطية من "الدول الغربية" لتعم عدواها كل قارات العالم كل فتوكل إليها الدول كأداة قوية وفعالة ضبط مساراتها التنظيمية ومؤسساتها الهيكلية والسياسية والتنموية، ولتمكنها من تحقيق الخدمات التي يحتاج إليها المواطنون. وقد قامت موريتانيا أسوة بعديد دول، على رأسها فرنسا، هي الأخرى بتأسيس العديد منها أملا في خلق آليات ضبطية متخصصة تتقاسم مهام ضبط مختلف القطاعات الحيوية بالمراقبة والمتابعة والمحاسبة عند الاقتضاء.
وفي عديد الدول، التي نقلنا نظريا بعضا من تجاربها، وقد أسهمت في تعزيز "الحكامة " الديمقراطية الرشيدة في بلدانها وعززت مكانتها في كل الحقول التي تتولى ضبطها، فإن كل من هذه السلطات ـ التي تشكل كل "حكامة" لوحدها ـ تخضع مثل أي شخص معنوي للقانون والرقابة، كما أن إدارة كل تنظيم من التنظيمات تحتاج لسلطات تمارس بواسطتها نشاطها وفق ما تقتضيه الظروف والقوانين والنظم المعمول بها، مما يفرض على كل تنظيم أن يحسن من استخدام سلطته ويراعي ضوابط تطبيقها.
ولأن ممارسة السلطات أي حق للتنظيم، في التصرف وإصدار الأوامر واتخاذ القرارات، مُوزعة بطريقة هرمية نمطية بين جهازي : الجمعية العامة والمكتب التنفيذي، في ظل وجود أجهزة متعددة ومؤسسات داخل كل تنظيم يمارس كل واحد منها جزء من السلطة بتفويض من الجمعية العامة أو المكتب التنفيذي، فأن القرار الصادر من أعلى مستوى في الهرم ملزم لكل عضو وتنظيم أدنى.
وقد قامت بعض الديمقراطيات الأوربية بتعديل هذه الصيغة لتضيف مستوى وسيطا للسلطة بين الجمعية العامة والمكتب التنفيذي في محاولة لإيجاد صيغة تضمن تمثيلاً أوسع للقاعدة بالمشاركة في صنع القرار أكثر مما توفره صيغة (الجمعية العامة - المكتب التنفيذي). كما أضاف هذا المستوى فئات أخرى من المهتمين بشئون التنظيم مثل المستخدمين في مؤسسة أو عمال في مصنع أو جمهور مستهلكين، زيادة على ممثلي قاعدة العضوية. وهو النظام الذي أيضا يكون المكتب التنفيذي مسؤولا أمام هذا الجسم الوسيط بطريقة يحددها القانون.
وبهذه التعديلات، التي أملتها مقتضيات التحولات التي لا تتوقف والطموح المتجدد باضطراد، نجحت السلط التنظيمية في الكثير من البلدان فساهمت في تحقيق الشفافية في السياسات الإعلامية والتنموية والاقتصادية "للحكامات الرشيدة"، وفي تأكيد تحقيق العدالة بكل أوجهها وأحوالها في مجمل القضايا الإنسانية المتشعبة والشائكة، وفي تنظيم كل أوجه الحياة العملية من تعليم وصحة ومواصلات وطرق وتجارة وصناعة، وفي المسارات الحقوقية والإنسانية والسياسية والتنموية وغيرها مما أفصح عن حيوية وضرورة أدوارها في الضبط والمراقبة.
وطيلة اليومين استطاع الممثلون لجميع هذه السلط الضبطية أن يقدموا من خلال عروض أكاديمية غزيرة وقيمة - في مجملها - معلومات دقيقة ووافية حول:
- النشأة ودواعيها،
ـ النصوص والقوانين المنظمة لها،
ـ حقول ومجالات عملها الضبطي،
ـ الأهداف والإنجازات،
ـ النواقص الاختلالات،
ـ الآفاق المستقبلية
حتى تشكل عند الجمهور رصيد من المعلومات التي تغيبها عنه على أرض الواقع ضبابية الأداء وضعفُ المخرجات والنتائج العملية المحددة أصلا كما تبين من خلال العروض المستفيضة في جداول المهام ودفاتر الالتزام إن جاز التعبير الموكلة إلى هذه السلط والأهداف المحددة والمؤمنة بترسانات من المراسيم والأوامر القانونية و ومواد الأنظمة التنظيمية.
فهل تكون هذه "الخرجة" النوعية والموفقة في توقيتها وبمضمونها عن الضبط في ماهيته وشكله ومجاله وسيره ـ مطلع سنة جديدة ـ للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (هابا)، من أجل التعريف بسلط ضبط تعاني من غياب شديد في المرئية اللازمة ومحاورة القائمين عليها، تحولا منهجيا في تعاطيها وفنيا للدفع أكثر إلى تحقيق أهدافها تحت سقف "الحكامة الديمقراطية" من خلال أداء المهام الكبيرة الموكلة إليها بشكل يبرز أكثر مصداقية بعضها محل ارتياب؟