.jpg)
" .. الدول والرجال العظماء أعطوا باستمرار، مكانة خاصة لأولئك الذين منحتهم الطبيعة سر وسحر الكلمة (..) الشعر هو قمة الإنتاج الذهني."
**
تجرع صواب الصحراء الكبرى قصة الغياب الحزينة، و حشرجة الحرف واهتزاز اليقين الشعري وإغفاء حضور فذ، سطر سبيل الثبات العاصف في ديوان من ضوء التنوير؛
بمنتصف الطريق بين دار اليقين ومضارب الأرض، ترك قصرا شهي الجمال : من صوت الحق وحياة الكلمات الفخمة؛ لممارسة التفكير بطريقة أفضل والإبداع في الحياة، لعل الأفكار ترصع سماء لهب الوجود، نجوما تمنح قوة تردد الربيع.
بطعم الأغاني الحية والتعالي الصوفي والإحساس الشعري و حوض نعمة فريدة؛ يرسم التاريخ صورة الرجل العادل والقائد الثوري، المعلم محمد يحظيه ولد ابريد الليل، لتنتظم حياته على مواسم رطب تنظير النضالات الكبرى وقيادة معاركها الفاصلة في حياة الأمة؛
يسكنه الشعر وتنعدم أواصر المنفعة التافهة بينه والثقافة؛ أثرى الممارسة السياسية، شعرا ملحميا ورأيا ثاقبا، مصقول الجمال.
خلافا لمنطق تأويل الحتميات، لا تنافر بين عسل الشعر وأقداح السياسة؛ بل تمنح الثقافة و سعة الاطلاع روحا إضافية للسلوك الفكري للمتفرغين للاعتناء بمصلحة الإبل والسيطرة على معابر الخروج الآمن من صعق المجهول.
تبقى السياسة المفرغة من يقين مشاعر الناس، ثم شاعرية المعرفة وعَروض الأخلاق، مجرد كومة من الأرقام و الجداول، الرسوم البيانية والمقاييس؛تستدعي الخلود تحت رحمة ضمادات يقطين الروح على وجه جروح الحياة؛
يتنفس الشعر الحياة، ليعزز الفكرة السياسية بعبقرية الخيال وقدرة التصور الموفق للمسارات الجماعية، و ينحرف فقر الشعر بالسياسة إلى مطبات التعبير التقني العقيم، وواقع الارتجال العاجز عن تصميم مشهد الكرامة.
في سياقات فكرية تفرض الجرأة والصراحة، تستلم المعايير الجمالية مهمة صياغة الخطاب وتنقيته من الارتهان وإلحاق الضرر، حيث يتكفل تاريخ الأفكار السياسية بتحديد المعنى حسب ثوابت الأخلاق وزحافات المصلحة.
خلال إحدى المحاكمات السياسية لولد ابريد الليل في القرن الماضي، رفعت شخصيات وطنية مرموقة شارات النصر أمام المحكمة، في تعبير ملحمي عن الانتصار للرجل ولناضله العادل؛ من بين أبرز الشخصيات الثقافية التي تحدت الاستبداد إبداعا، العلامة المختار ولد الميداح و عميد الأدب الشعبي محمدن ولد سيد إبراهيم، حيث تدفقت نخوة المحامي الكبير والمدافع الشرس عن حقوق الإنسان ذ/ يربه ولد أحمد صالح، الذي نقل الحادثة، وأضاف : "تأملت المشهد فقدرت لهما شهامتهما ونائلهما ووفائهما لشخص يرى فيه النظام الحاكم خصمه اللدود بينما قدرت له هو بعد نظره وسعة صدره وارتباطه بالواقع مما مكنه من أن يجمع بين اعتناق فكر يتصف بالحداثة الشديدة والانشغال بهموم العرب عموما ومستجدات شؤونهم وبالتالي بما هو خارج حدود بلدنا وبين العمل على نسج علاقة وطيدة مع رجلين يمثلان، كل فيما يعنيه، وجها تقليديا بارزا، راسخا في بلادنا."
وفق رجل الثقافة في توجيه دور الدولة وإفساح المجال للتراث والفن لا متلاك حيز معتبر من التعبير والتداول؛ وتوزيع أنفاس الثقافة بين جميع مؤسسات وهيئات الجمهورية ليشترك المواطنون في عدالة صحو ألقها في إطار رؤيته الاستراتيجية كرجل دولة مرهف الإحساس وذو مسؤوليات عالية.
عاش مستهلكا نهما لتراث رام الشموخ وصد بكبرياء هوان المسخ وعنف الاستيلاب؛ ارتبط بعلاقات قوية برموز المشهد الثقافي : ارتوى من بحر نغم العملاق سيد أحمد ولد أحمد زيدان، ليمكث سموه جيئة وذهابا بين عقول وقلوب رجال الصحراء؛ في استعادة دائمة لدفء حضن " الفركان"، محيدا نفخ عواصف الضياع؛ تقاسم مع العلامة المختار ولد الميداح متعة الانتماء شعرا، فقها، تاريخا واستشرافا استراتيجيا لأناقة تراث وثقافة الكيان الناعم؛
شاطر الشاعر والأديب الناقد عميد الأدب الشعبي محمدن ولد سيد إبراهيم مسار رحلته الإبداعية لصون وحفظ تراث الأمة، موثقا صمود التمسك بروح فن أمة استبدلت "لمشوش" و أناشيد البارود؛ وبنت البار؛ بوثنية التعلق بالمال الحرام.
نعت يومية Le Monde العالمية، العملاق ولد سيد إبراهيم في صفحتها قبل الأخيرة DISPARITIONS ، المخصصة لوفيات الأعلام من الشخصيات المؤثرة في مجالات السياسة والأدب والفن عبر العالم.
كان يتابع بآنية مبهرة مشهد الثقافة العالمية، مع متعة خاصة في تلقف الأدب و الوفاء لعبقرية شاعر العرب المعلم أبو الطيب المتنبي.
في عهود الاضطراب، كان الشعر العربي، يروي نهم العالم بأقوى وأجمل قصائده الحديثة، بعد بزوغ نجم البياتي، بلند ونازك الملائكة؛ لينقلها الشاعر عبد الوهاب البياتي في الأسابيع الأخيرة للعقد السابع من القرن العشرين، إلى مجلس وزير ثقافة موريتانيا تحت خيمة عربية ناصعة الجمال، ويروي الحقيقة العميقة لمبدعي عصره ونهضة الشعر والقطيعة مع تسلق حبال البلاغة، للاهتمام بأحداث الحياة اليومية والشهادة على العصر بشاعرية تنفذ إلى خيال شعب ممنوع من الكلام.
بحزن كبير وذهول شديد، يرسم الفنان المرابط ولد الزين حرقة غياب، " الأب الحنون، المعلم، المربي، الصديق والأخ الأكبر ."
كان ولد ابريد الليل يرى في الفنان الشاب، الذي رافقه وشجع موهبته، "بداية مشروع"، للثورة على العقليات الرجعية والمسلكيات الظلامية؛ يعتبره في بداية الطريق، رغم النجاحات الكبيرة لأعماله التي يفتخر بحضور المعلم ولد ابريد الليل في أدق تفاصيلها، يضيف ولد الزين بصوت الدموع : "وهو يغادرنا، لازال يسكنني؛ رحمه الله وألهمني قوة استحضاره فمازلت احتاجه."
اقتحم الفنان المبدع المرابط ولد الزين عالم الكوميديا ثائرا على الواقع في محاولة قلب الموازين السائدة، لتصبح صفحته في وقت قياسي ثاني أكثر موقع موريتاني متابعة، واعتبره الإعلام الدولي مؤسس " الكوميديا الجديدة" في موريتانيا، كمرحلة حاسمة من "تشكيل معالم الخصوصيّة الثقافيّة".
حصدت صفحة برنامجه الشهير " خدمة العللاء" في العام 2014 تصنيف " الأكثر تفاعلا في العالم العربي"، واعتبرت قناته على اليوتبب في الترتيب السابع ضمن "قائمة أفضل القنوات في العالم العربي".
