يظل الفقيه في بلاد التناقضات الكبرى فقيها، يحكم عليه الصدق مع الله في جميع تصرفاته ومعاملاته، حتى يقترب من الشأن العام ويطمع بحضور رسمي أو يكون له أبناء وأقارب يرجو لهم توظيفا أو صفقات، ينقلب إلى ضده ويضع ورعه في خدمة الدنيا، ينت صر للقوة والمال،
يظل الشاعر على الفطرة الشاعرة، في رحاب صدق العواطف ونبل الخيال، حتى يقترب من دوائر النفوذ والمال فينعق بما يعلم زيفَه، ينقلب على شاعريته فيقتل نبل القصيد ويسحب الظلام على الحروف التي كانت مضيئة،
يظل المثقف سراجا، يهدي من بعد تبديد ظلمات الجهل حتى يركب السياسة ويطمع في القرب من أصحاب النفوذ لنيل بعض الحطام ويطمح إلى الوظائف، فيبيع نخوته ويهجر معرفته وينزل عن صهوات أحصنة الفكر والثقافة ليتحول إلى بوق نشاز في جوقة الخواء،
ويظل المواطن البسيط مشعل إنسانية ولواء أخلاق ودرعا للدين حتى يهتدي إلى سبل الاستغناء السريع في أسواق نخاسة الضمائر، يصبح جبارا عاتيا سريع التنكر لمن كانوا من حوله يواسوه ويحموه.
هكذا الحال في هذه البلاد التي عرفت في الماضي حكم "سيبة" عاتية كادت العشرون سنة الأولى من عمر الدولة المركزية، الستينية التي ولدت من رحم لا دولة، أن تقضي على حربائية كانت موازين القوة المختلة تفرضها على أسلوب التعامل بكل أوجهه.
فهل بما نحن عليه من تناقض سلبي إنما نسجل للواقع انتماءنا الثابت لعقلية هذه السيبة الغائبة الحاضرة والتزامنا بسلوكها في التفكير والعمل؟