ليس غريبا أن تظل بلاد التناقضات الكبرى في مؤخرة ركب الأمم، وألا ينتفع شعبها بمقدراتها الهائلة المعرضة منذ الاستقلال الذي مرت عليه تسعة وستون عاما من النهب والهدر وسوء الاستغلال، علما بأن معايير التعامل مع الدولة التي ولدت من رحم اللادولة ولم تخرج يوما عن مقاييس "السيبة" واستحكام عقليتها الظلامية ومسلكياتها الظالمة وثقافتها الجاهلية رغم مظهر الدين الذي هو العنوان البارز وكذا المسطرة الأخلاقية المشتقة منه ألفاظها وصفاتها للتمويه على متأصل الفعل "السيباتي" ولغته العنيفة المصاحبة عند الحاجة.
وضعية اجتماعية درج معها أهل البلد صاغرين، ألا يروا ناجحا إلى كل مقلد سيف "السيباتية"، ملجما فرسها، متأبطا كتاب قوانينها، يدك بلا هوادة حصون العدل والنجوة وكبرياء الفرسان، حتى يُرفع على الأكتاف ويذكر ملء الأفواه في كل ناد ومحفل ويدعى:
- المغوار حامي الحمى،
- والفقيه مصدر الفتوى،
- السياسي صاحب الرأي الفصل السديد،
- والخطيب والشاعر صاحبي البلاغة،
- والمنفق صاحب المال،
والحقيقة المرة أن ليس:
- المغوار سوى الظالم الذي يبطش من دون أن يرده وازع ديني أو أخلاقي أو وطني،
- والفقيه إلا ذلك المستغل مكانته بلي أعناق النصوص وتحريف الكلم عن موضعه، ومعناه عن سياقه لمآرب دنيوية،
- والسياسي إلا المحتال بالقبيلة والنفاق والمكر بلا خطابة ولا فلسفة ولا نظرة استشرافية،
- والمنفق إلا المتعد واللص الذي يسطو بجرأة ونهم على المال العام والخاص ولا يفرق بينهما عند الاقتضاء،
- والمغوار إلا الظالم الجبار الذي لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلبه ولا يخشى حسابا أو عقابا.
إنها السيبة رابضة في النفوس لا تفرق بين زعيم أو سياسي أو خطيب أو فقيه.