الاكتئاب اللئيم اكتئاب خبيث غير صريح يتسلل من تحت عقب الباب، يخرج من درج مكتبك، يفاجئك وأنت رايح تنام، يصفعك على قفاك وأنت سائر فى الطريق العام، يباغتك على حين فجأة ولا تملك له ردًا.
اكتئاب يظهر فى صورة أخرى غير الشعور بالكآبة وعدم القدرة على الاستمتاع، يأتى فى شكل خواء داخلى، تنميل فى الإحساس، فرامل تشدها قوة مجهولة تكبح جماح رغباتك العادية لعمل أى شىء عادى: كتدخين سيجارة، احتساء فنجان قهوة مُفضَّل لديك، أو عدم الإحساس بطعم النوم؛ فتصحو مجهدًا وكأنك كنت تحارب طول الليل، وعندما يأتى الصباح تصحو وكأنك (مضـروب علقة)، تحاول جاهدًا أن تستجمع طاقتك، فتدخن وتحتسـى القهوة على الريق مما يزيد الأمر سوءًا نظرًا لزيادة الأدرينالين ونقص السكر فى الجسم.
الاكتئاب اللئيم يظهر فى صورة عضوية كآلام أسفل الظهر المنتشـرة بكثرة لدى المصريين، أو اضطراب القولون العصبى الذى تزيد حدته مع عدم انتظام تناول الطعام أو الأكل غير الصحى بجانب التوتر، القلق، والاكتئاب، تمنّى الموت، إلى آخر قائمة الاضطرابات العضوية، كسقوط الشعر والصدفية والإكزيما العصبية.
عدم الرضا وفقدان الإشباع الوظيفى يُعدّان من أهم أسباب الاكتئاب، ويزيد الأمر سوءًا أن يكون البيت غير مستقر، فتجد هنا وهناك فوضى، شجار زوجى مزمن حول الإنفاق وتربية الأولاد وتقضية وقت الفراغ إن وجد.
الاكتئاب إحساس طاغ بتنميل فى الإحساس والمشاعر، فقدان الرغبة فى أى شىء وكل شىء. الاكتئاب ليس حزنًا، أو بكاءً، إنه ذلك الإحساس القاسى والمستمر بالخواء، وبفقدان الرغبة فى عمل أى شىء.
الحزن غير الاكتئاب، الحزن غير الاكتئاب، الحزن جزء من الاكتئاب، الحزن شعور إنسانى صادق لابدّ منه، الحزن نبيل وشفيف وجميل أحياناً، (واللى ما يحزنش ما بيبقاش عنده دم). حزن الاكتئاب أصمّ. كثيرًا ما يكون بدون بكاء أو دموع والمُكتئب يقولك (مش قادر أبكى، مش قادر أنزل دمعة، يمكن لو عيطت أرتاح، لكن مش قادر)، يُسَّمَّ ذلك حالة «العجز المكتسب»، معناها ساعات حالة من الصمم والصمت المُطبِق، حيثُ تجد نفسك هشًا وأبكم العواطف، وإذا دخل الحزن على السواد (الحتة الضلمة)، يتحوّل إلى كبسولة، والإحساس المُضخم بالذنب هو الابن الشـرعى للاكتئاب، مثل كإنك (معملتش اللازم) لمن فارق الحياة مثلًا، أو لأنك قصـرت فى علاقة فدَّمرتها.
الحزن مطلوب لكن ليس دائماً، وإلا أصبح اكتئاباً فيه استمرارية، قبضة وكتمة وضيق وشلل نفسى.
الاكتئاب اضطراب فى المزاج له مائة لون ولون وأكثر من نوع: الجسيم، عُسْـر المزاج، أحادى القطب (أى لوحده من غير هوس)، وثنائى القطب (أى مقرون بالهوس وفى شكل نوبات)، الموسمى كردّ فعل، والمرتبط بوفاة عزيز (الحِدَاد والحِدَاد المرضى، والوثيق الصلة بالإصابة بمرض عضوى).
يعتمد علاج الاكتئاب على العقاقير المُحَسِّنة للمزاج وهى ليست (سبراي) نَرُشُّه على خلايا المخ فيبتهج الإنسان ـ لا ـ إنه يعمل على كيمياء المخ العصبية، يُعَدِّلها ويُصَحح مسارها.
كما أن هناك أيضا العلاج المعرفى السلوكى لتغيير المفاهيم المغلوطة لدى المريض وتغيير نظرته السلبية للأشياء وللحياة. البحث عن مُفرِحات النفوس، بما فى ذلك الأشياء الصغيرة التى إذا قام بها الإنسان تغيَّر مزاجه (كأن يتمشى على شط النيل، أو يخرج عن نطاق الأسرة والعمل، أن يتفادى ما يمكن أن يزعجه حتى لو كان فيلم رعب يحبه، أن يشـرب كوب شاى ساعة العصـارى وهو يسمع أم كلثوم)، قد يبدو الكلام سهلًا ولكن فلنحاول. ولن نخسر شيئًا.