وما هو مصير موريتانيا في غياب الجواب ؟
سؤال محير لايوجد له جواب شاف ولا مقنع. والسبب أن الرجل الذي يوصف بأنه الثاني في النظام وخليفة عزيز الطبيعي هو من كان يقوم بالتعبئة لتغيير الدستور وقد وقّع المحسوبون عليه ضمن الأوائل وبأمر منه .المعلومات تقول أنه طلب من الشيخ ولد بايّ رئيس البرلمان التوقيع لكن الأخير رفض بحجة أنه رئيس لهذه الغرفة التي تشهد الحراك في حين يكون آخر من يعلم ! رئيس الحزب والناطق باسم النظام سيدي محمد ولد محم والذي يستمد كل شرعيته من تنفيذ رغبات عزيز بدءاً بإنشاء كتيبة البرلمان 2008 مرورا بالمحكمة السلمية والمنافح عن عزيز لا علم له بتلك التعليمات أو علاقة عزيز الخفية بالموضوع ويتلكؤ في دعم هذه التعديلات بحجة أن لا معلومات لديه بأنها جدية . ولا يزال السؤال محيرا .كيف تأتي التعبئة من الجيش من ولد الغزواني كقائد ميداني ووزير دفاع وشريك لعزيز وآخر من بقى معه في صالة مغادرة المطار في حين تروج شائعات بأن الجيش هو من أوقف هذا . أي جيش ؟! صحيح أن عزيز توارى عندما دخلت العملية طور التنفيذ وأوكلها لأبناء عمه لإضفاء علاقته الخفية بها لكن أيضا لتسيير علاقته بها بالسرية اللازمة ، وعلى حين غرة وفي أوج التصعيد وعلى مسافة قريبة من الحصول على الأغلبية يُوقف هذا الحراك ببيان قادم من السماء من الخليج .فما هو السبب ؟ ولماذا بهذه السرعة ؟ وكيف يبرر هذا التناقض وبهذه الدرجة أمام أبناء عمومته رغم أنه لايقدم حسابا لأحد ويحتقر الجميع !؟ ومن هي القوة هذه التي تقف وراء هذا القرار ؟
الخارج كما يقال خاصة فرنسا التي تريد الانتقام من عزيز وإخراجه من السلطة بسبب تسويفه الدائم في قضية قوة الدفاع المشترك لدول الساحل حيث أقنعته أو هددته بكشف المعلومات التي تتعلق بتسييره السيء لموارد البلد وطرح ملفات فساد ضده بصفة مباشرة؟ أو استخدمت الإمارات في ذلك ؟ أم أن الرقابة المكثفة للوضع من طرف الشركات الكبرى صاحبة الاستثمارات الكبيرة في موريتانيا ومخابرات الدول الغربية يقيّمون الوضع بالخطير أو بشفا الهاوية وبذلك دخلوا على خط الضغط بواسطة الدول الغربية نفسها وبعثوا له برسائل استخباراتية مقلقة ؟ أم هل أن المؤسسات الأمنية الموريتانية عن وعي أو عن غير وعي أرسلت تقارير عن خطورة الوضع واحتمال انتقاله إلى ثورة مع مظاهر العنف التي بدأت بتكسير اللافتات واحتقان الشارع وتكوين جماعة قوية من الأغلبية ومن البرلمان ضد هذه العملية ودخول التململ والتخلخل داخل أحزاب الأغلبية مما أدى إلى بوادر انشقاق في صفوفها وأيضا ودخول المعارضة على خط الرفض القوي ودخول شخصيات عديدة لم يعهد تدخلها في التجاذب في هذا الحراك ضد هذه العملية، مثل تصريح سيدي محمد ولد بوبكر ومقال الخليل النحوي ومقالات أغرقت الساحة من كتاب داخليين وخارجيين، وهرج في وسائل التواصل الاجتماعي كل هذا خلق صورة مشوشة عن مستقبل الوضعية وبعث بالخوف إلى صدر عزيز ؟
هل هذه هي العوامل الداخلية الأساسية التي أقلقت عزيز بشأن استقرار الوضع وبالتالي فضل سحب القضية من أساسها حتى يرتب أوراقه بعد عودته ؟ أسئلة وتساؤلات واردة ، لكن لا يمكن الجزم بأن أيا منها كان السبب الفعلي لهذا القرار المباغت .
انتظار مقدم عزيز اليوم لانواكشوط -بعد أكثر من أسبوع يدور في الخليج كمن لاهم له أو كصاحب حاجة شخصية يرتهن طائرة تابعة للخطوط لتنقلاته وتنقلات أسرته وكأنه أحد ملوك الخليج أو مالك للشركة - هو الذي من خلاله ستظهر بعض الأجوبة أي من خلال تصرفاته أو ردات فعله على طريقة تسيير الحراك الدستوري الذي جاء بمباركته . عزيز الذي يملك تصورين خاطئين عن البلد الأول أن تصرفه هو فيه كله شرعي ولا تترتب عليه أيّ مساءلة ولا مسؤوليات في المستقبل. والثاني خلوه من الرجال . لن يجعله يغادر السلطة بسلام وبإرادته ظنا منه دائما أنه يملك كل مقومات وأسباب البقاء . وهو بذلك سيظل يخلط الأوراق حتى يتشابك الوضع ليرمي بالبلد في مأزق أو ترمي به هو الأوضاع نحو مأزق لا تحمد عقباه .
وهذا ما يخشاه أصحاب البلد الذين لايملكون أي جنسية ولا مكان ثان سيفرون إليه عندما تشتعل النار في منازلهم .
إن البلد مهدد تهديدا خطيرا يجب أن يقف الحميع في وجهه ، فيجب أن يرحل عزيز وننعم بعده بالهدوء والاستقرار ولا يمكن ذلك إلا بتقييد سيطرته الكاملة على المشهد بأن تأخذ الأغلبية زمام المبادرة من الداخل أي أن يفضي هذا الحراك إلى طرح فكرة مدنية سليمة راجت بعض الوقت داخل الأعلبية ثم ذابت وهي أن دعم عزيز كان خيارا سياسيا ويجب أن يكون دعم خلف له خيارا سياسيا أيضا من داخل الأغلبية بالتشاور والتوافق .
كما على المعارضة أن تحرك مبادرتها وتقوي فرصة التغيير من خلال دعم دينامية حقيقية في الانتقال السلمي للسلطة في ضوء نجاح مقاربة التغييير الضروري في موريتانيا كما في جميع الجوار، وذلك باختيار الشخص القادر على الرفع من مستوى الأداء السياسي والقادر على طمأنة كل الأطراف في البلد والقادر على خلق رؤية لمعالجة الاختلالات الكبيرة في أقتصاد البلد بل مواجهة الأزمة التي تمر بها مؤسسات الدولة وهيبتها وفاعليتها وتوزيع أدوارها وصلاحياتها ،فقد اختلط كل شيء من خلال تسيير هذا الرجل الذي لا يدري ولا يستعين بمن يدرون .