خطى البدايات المتعثرة/الولي سيدي هيبه

أحد, 30/12/2018 - 16:04

"شرط النهايات، تصحيح البدايات"

إن البلدان التي جعلت الثور أمام المحراث، في شقها الأرض لوضع بذرة أوطانها المثمرة، هي التي تحصد غلالا وفيرة، وأما بعضها الآخر من التي حطت المحراث أمام الثور فهي التي تخسر تباعا المواسم وتحصد الجوع والتخلف.

وإنه في الوقت الذي ما زالت تفتقر فيه البلاد لتنميتها إلى البنى التحتية، والتعليم إلى المدارس، والصحة إلى المستشفيات، والسياسة إلى الرشد واستقامة الخطاب الأحادي وجهة التزلف والطمع في الكسب من منهوب المال العام، يَسكرُ البعض من المترفين في خمارات الترف الكمالي الاستعراضي بباذخ الثقافة ومبتذل الادعائية الساذجة في عصر هجرت الشعوب الواعية فيه النظريات الجامدة وبلغت فيه جماهيرها الناضجة أوج تنوير عقولها وقمة تواضعها،

وفي الوقت الذي ما زالت فيه البلاد تتلمس بعشوائية خطى الثبات على درب الاستواء والبحث عن المخرج من مأزق التخلف وطوق الجهل وضعف البنى المساعدة،

وفي الوقت الذي ما زالت تحتاج فيه إلى كل الفتات من ميزانيتها الضعيفة من بعد النهب لإطلاق مشاريع حيوية وتصحيح أوضاعها المختلقة،

وفي الوقت الذي، هي كذلك، في أمس الحاجة فيه إلى المهندسين والأطباء والفنيين وخبراء التخطيط والاقتصاديين، وضرورة التوفير لهم أسباب العمل لوضع البلد على المدار وفي المسار الصحيح وتخطي مرحلة "الوحل" والخروج من المستنقع إلى أرض البذر والحصاد،

تصرف الأموال الطائلة في أوجه لا محل لها من إعراب بلد ما زال عاجزا عن التصريف في الحاضر؛ أموال من الخزينة العامة للتباهي نظريا في مهرجانات مكلفة ـ لا تعوض حتى جزئيا عن تكاليفها ـ بتاريخ، "محل الفخر الحقيقي" فيه يكمن في قيمته لا فيما يصرف باسمه ويذهب إلى جيوب المنظمين والمنظرين بلغة الانتهازية والطفيلية، وقد كان الأولى أن توجه هذه الأموال إلى الضرورات وما أكثرها وأبلغها، وهي مع كل ذلك المهرجانات الصاخبة التي لا ترفع لـ:

  • التاريخ شأنا،
  • ولا للأدب التزاما ومقاما،
  • ولا للبلد مكانة،
  • ولا للفكر والعلم منابرا،
  • و لا للتنمية الميدانية معالما،

ولم تفرز بالنهاية وفي المحصلة منتجا ثقافيا معلوما يشكل مرجعا للباحثين والدارسين والمهتمين.

كما تصرف أموال كثيرة أخرى من الخزينة العامة على نمط شاذ وسابق لأوانه يحمل عنوان العلم والمعرفة ـ وما الأمر كذلك ـ حيث أن هذه الأموال الكثيرة التي تهدر في هذه التظاهرات الترفيهية الادعائية من دون أكل ما كانت إلا لترفع، لو وجهت بشكل صحيح، بعض قواعد البناء الغائب وتدعم التعليم الذي إن صلح أفرز من يرفع لواء العلم والمعرفة وراية المجد والحضور البناء.

ومما لا شك فيه أن موريتانيا أرض الإسلام بامتياز، وتلك هي المنة العظيمة من الله التي لولاها كان سكانها أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام بالنظر لما كان يحيطهم بهم من عوامل الطبيعة القاهرة بقسوتها وشح مصادرها، واستئساد بعض أهلها على بعضهم، وتأويل بعضهم الآخر للنصوص الشرعية بما يوافق مزاج الغبن المبطن والحيف الصارخ من قبل العلم بالمعادن على يد المستعمر الذي نهب بيد وأسس الدولة المركزية الناقصة بيد، دولة استطاعت أن:

  • تخفف وطأة الظلم ولو لم تستطع القضاء عليه،
  • وأن تفتح باب المساواة أمام الفرص ولو لم تحققها،
  • وأن تأذن بوجوب نبذ القبلية والعشائرية والشرائحية وأن تهيئ النفوس لمفهوم المواطنة وإن لم تفلح في غرسها في الأذهان وتثبيتها في الممارسات.

ولكن هذه الدولة تعاني أشد ما تعاني ـ على نواقصها التي ما زالت تحول بينها وبين القيام على أسس المدنية والتحضر والمواطنة وخيار الديمقراطية ـ من طوق المغرضين الادعائيين للمجد الفريد والالمعية الاستثنائية في العلم والمعرفة والأدب على خلفية كسل مزمن وترفع بيض عن العمل، وانطوائية مرضية على الماضوية السلبية، وانحسار عن الأمانة العلمية وصدق الوطنية، وعن استقامة الإخلاص وتواضع السمو.