و تماما مثل مهرجان "المدن القديمة" و كـ"مهرجان الأدب" و إرهاصات "المقاومة الوطنية"، ها هي ذي "جائزة شنقيط" تقرع الطبول، تنفخ الأبواق و توزع بطاقات الحضور لحفل توزيعها على الأعمال الفائزة.. "الصرخة كبيرة و الميت فأر".
فعن أي أعمال سيجري الحديث و بما ستفيد ـ كسابقاتها التي إذ لم تحمل نبلا فكريا، لم ترق كذلك إلى مستوى البحوث البناءة و قد طواها النسيان و ابتلعها الخواء ـ وعلى ضحالتها ساحة فكرية و ثقافية أنتن منذ موتها قبل الولادة من ألف حيوان نافق؟
في كل عام ترصد الملايين من خزينة الدولة و تشكل اللجان من المنتقين على أسس أبعد ما تكون عن النزاهة العلمية و إرادة خدمة العلم و الثقافة، ثم توزع الأدوار و يعلن عن استقبال الأعمال و قد حسم قبلا أمر الجوائز لحسابات معلومة لدى المشرفين عليها أو من هم فوقهم.
دورة المدن القديمة "السيزيفية" التي تدك بالأقدام و الصخب في كل عام رميم مدينة، و "غيلانية" مهرجان الأدب الذي يحط في كل سنة من قدره و يرهنه للهوان، و عبثية التناول النفعي، على شاكلة كل حدث، لحقبة "المقاومة الضحية" يغرقها جهل التناول في غياهب المسخ.. دورة تستنسخ للعمل العلمي عنوانا و قصدا معلنا و لكنها تصاب في الصميم العاري بخيبتين متلازمتين كالتوأمين:
- خيبة القحط الفكري و العلمي و الأدبي و الفني،
- و خيبة التكرار و الاجترار و الاستنساخ لمنتج القدماء و جهد زمانهم.
فهل يستقيم أمر الثقافة على هذه الحال من الانكسار العقلي و الخيبة العلمية على خلفية مهينة من الإدعائية المفرطة للعلم و المعرفة و الألمعية و التفرد؟
و هل تظل الأمور على ما هي عليه من استحكام النفاق المعرفي و الاستهتار بالعقل و العلم كأنهما أرخص مفقود و أقل موجود؟
إنه مما لا يدع شكا لمهتم أن الثقافة التي هي خلق سامي و أهم ركن من أركان بناء المجتمعات السوية التي تبني الدول المهابة و تهيئ الأسباب للاستمراية و العطاء و البقاء، تعاني في بلاد التناقضات الكبرى من حصار النفاق المرضي، و الادعائية الجريئة، و ضعف الوازعين الوطني و الديني.
و هي علاوة على ذلك عنوان يتجدد عند كل موسم لحق ناصع يراد به باطل من السعي الدنيئ، و خيط هوان مدمر يتزلف به البعض في قوالب التنظير للمهرجانات الواهية و لكنها مصدر استدرار لبعض مال الخزينة العامة.