بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية
اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى.
وهي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال فيلسوف الألمان فيخته : (اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين . إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان )
واللغة - عند العرب - معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد .
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى .
إن الكلمات العربية في اللغات الإسلامية : الفارسية والتركية والأوردية والمالاوية والسنغالية أكثر من أن تحصى. والكلمات العربية في الإسبانية والبرتغالية ثم في الألمانية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية ليست قليلة أيضاً .
لقد التقت العربية بالفارسية والسريانية والقبطية والبربرية. وكان عندها أسباب القوة، فهي لغة القرآن، وتتميز ببناء قوي محكم، وتملك مادة غزيرة .
لقد حملت رسالة الإسلام فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبير عما جاء به الإسلام من مفاهيم وأفكار ونظم وقواعد سلوك. وأصبحت لغة الدين والثقافة والحضارة والحكم في آن واحد .
غزت العربية اللغات الأخرى كالفارسية والتركية والأوردية والسواحلية فأدخلت إليها حروف الكتابة وكثيراً من الألفاظ. وكان تأثيرها في اللغات الأخرى عن طريق الأصوات والحروف والمفردات والمعاني والتراكيب .
وأدى اصطدام العربية باللغات الأخرى إلى انقراض بعض اللغات وحلول العربية محلها كما حصل في العراق والشام ومصر, وإلى انزواء بعضها كالبربرية وانحسار بعضها الآخر كالفارسية .
لقد أصبحت لغات الترك والفرس والملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف العربية . وكان للعربية الحظ الأوفر في الانبثاث في اللهجات الصومالية والزنجبارية لرجوع الصلة بين شرق إفريقيا وجزيرة العرب إلى أقدم عصور التاريخ .
إن اللغة العربية تواجه تحديات جسيمة و تأخذ محاولات الطعن في العربية أشكالاً ومظاهر شتى, فهي تلبس تارة ثوب الطعن في الأدب القديم وصحته, وتظهر تارة بمظهر تشجيع اللهجات المحلية لتفتيت اللغة الواحدة وتمزيق الناطقين بها, وتارة تلبس ثوب الثورة على القديم والدعوة إلى التجديد. فمن مناد بالتمرد على الأسلوب العربي القديم, وهو لا يتمرد في حقيقته على قِدَم الأسلوب وإنما يتمرد على صحة اللغة وسلامتها, ومن قائل بضيق العربية وقصر باعها ويلبس كل ذلك ثوب الإصلاح اللغوي .
وبلغ الأمر بالمشككين في قدرات اللغة العربية ان بها عجزا عن والشك هنا شك إرادي منبثق عن ترصد وسبق إصرار، اذ لا معني لأن نقتل لغة حية(العربية) في الوقت الذي نعمل لإحياء لغات ميتة او لهجات لا تتمتع بالمتطابات العلمية ولا المنطقية التي توصلها إلى درجة الكتابة
واللغة العربية إضافة إلى اختيارها الالهي لتبليغ رسالةمختارة هي الأخرى تفي بالمطلوب بل بما لا يستطيع البشر الوصول إليه لأن لها معادن الإعجاز ومكامن الجمال وأسراره مسموعة ومقروءة ومكتوبة.
وقد أدرك ذلك بعض المستشرقين وكان موضوعيا في الإبانة عنه والاعتراف به، مثل المستشرق الأمريكي وليم ورل الذي يقول: «إن اللغة العربية من اللين والمرونة ما يمكنانها من التكيف وفق مقتضيات العصر، وهي لم تتقهقر فيما مضى أمام أي لغة أخرى من اللغات التي احتكت بها، وهي ستحافظ على كيانها في المستقبل كما حافظت عليه في الماضي»
ويقول أحد المفكرين الفرنسيين :إن اللغة العربية: لغة وعي ولغة شهادة، وينبغي إنقاذها سليمة بأي ثمن للتأثير في اللغة الدولية المستقبلية، وإن في اللفظ العربي جرساً موسيقياً لا أجده في لغتي الفرنسية - حسب تعبيره .
إذا كانت هذه اعترافات غير الناطقين أصلا باللغة العربية، فما بال من رضعها وتغذي عليها جسديا وروحيا؟
يا قوم أفيقوا وأفيضوا من حيث أفاض الناس!
فالكل من ماء وطين ويمتلك نفس الملكات وله الحق في تطوير مهاراته.