مسنة أمام غرفة العمليات بالمستشفى الوطني بنواكشوط تضع رضيعا لم يبلغ عامه الأول وتشتت نظرات الخوف والرجاء بين باب الغرفة التي تجرى فيها عملية معقدة لأخيه الذي لم يتجاوز أسبوعه الأول لرد قلبه الذي ولد خارج قفصه الصدري ... والانعاش الذي ترقد فيه الأم بعد أن تعرضت لنزيف أثناء ولادتها في الطريق كاد يقضي على حياتها حسب الأطباء.
عيشة أم لستة أبناء رغم أنها لم تتجاوز بعد عقدها الثالث تقطن بقرية الواد التي تبعد 300 كم عن أقرب نقطة صحية لها وهي في الحوض الشرقي التي لا تتجاوز التغطية الصحية بصفة عامة وخاصة خدمات الصحة الإنجابية فيها 10%.
وتصل نسبة الوفيات في موريتانيا إلى 582 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية وهي نسبة مرتفعة إذا قارناها بالدول التي تمر بظروف أصعب من موريتانيا مثل ليبيا التي تعاني عدم استقرار ومع هذا معدل الوفيات فيها 70 وفاة وكذلك اثيوبيا التي عانت من مجاعات متكررة استطاعت أن تخفض معدل الوفيات إلى 352 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية.
وحسب دراسة لمنظمة lppm. فإن المعدل يرتفع كلما أوغلنا في الريف حتى يصل 700 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية .
نحن إذن أمام مفارقة تتمثل في ارتفاع نسبة الوفيات للأمهات من جهة وسحب المبلغ المخصص للخدمات الصحية من ناحية أخرى.
ولو افترضنا أن المبلغ صرف وهو 10 آلاف دولار فهل يكفي .. خاصة أن الكمية التي يتكفل صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوفيرها لا تغطي كل حاجيات النساء من المواد ..ومن الممكن أن يسحب التمويل في أي وقت.
خاصة إذا علمنا أن موازنة وزارة الصحة بالنسبة للموازنة العامة للدولة لا تتجاوز 5% في الوقت الذي قدر الخبراء انها يجب أن تصل 15% من الموازنة العامة البالغة 1.44 مليار دولار أي ما يقارب 600 مليار أوقية.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار تدني دخل الفرد الموريتاني إذ يعتبر متوسط دخل الفرد الأقل عربيا وللذي لا يتجاوز 3 آلاف دولار وكذلك التغطية الصحية التي لا تتجاوز 10% وتنخفض كلما توغلنا في الريف ..وعدم وجود ميزانية خاصة بالصحة الانجابية تضمن تموين المواد المنظمة للأسرة فإننا بالفعل سنكون أمام أطفال بلا أمهات ومحظوظون إذا ولدوا دون تشوه خلقي.