يصادف اليوم 16 نوفمبر اليوم الذي إعتمدته الجمعية العامة في العام 1996م يوما عالميا للتسامح ودعت جميع أعضائها للإحتفال به كل عام، وقد أكد إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح الذي إعتمده المؤتمر العام لليونسكو في العام 1995م على أن التسامح هو وحده الذي يضمن بقاء الإنسانية طالما كان التنوع والإختلاف أمر ملازما للوجود الإنساني وسنة كونية لا مناص عنها. وقد حرص إعلان المبادئ على تعريف التسامح بنفي الفهم المغلوط عنه فهو لا يعني عدم المبالاة وهو لا يعني قبول كل شيء دون أي تحفظ، بل هو يعني إحترام التنوع الذي يزخر به هذا العالم وقبوله والتصالح معه، وهو في جوهره "إعتراف بحقوق الإنسان للآخرين".
ويبدو أن التركيز على "مفهوم" التسامح هو جزء من الجهود المبذولة لنشر ثقافته، فكأنما نأت بعض المجتمعات عن معاني التسامح بإعتبارها هوانا أو تساهلا أو ضعفا، أو لربما بدا للبعض أن التعصب الذي هو نقيض التسامح هو عكس هذه المعاني جميعا! لذلك لم يكن من نافلة القول الحديث عن مفهوم التسامح بإعتباره فضيلة تعكس قلب الإنسانية النابض بالمحبة والوئام والسلام.
إن إحتمال التباس معاني التسامح بغيرها من المفاهيم السالبة تستدعي ضرورة العمل على الصعيد التعليمي للتبشير بجوهر التسامح وضرورته، كما يعزز من أهمية دور الحكومات في تبني المعاني الواردة في إعلان مبادئ التسامح الأممي عبر النظم التعليمية وهذا يتطلب بالضرورة إعادة النظر في كثير من المناهج التعليمية التي تدرس للناشئة وتغذي فيهم روح التعصب والإنغلاق والكراهية.
التسامح ضرورة لبقاء الإنسانية وتطورها، وهو مطلوب في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى خاصة وأن العالم يزداد إتساعا وثراء وتنوعا كل يوم بل كل ساعة، كما توجد تحديات حقيقة أمام سيادة معاني التسامح تعكسها الضغوط الإقتصادية والإجتماعية المتزايدة إلا أنه بالمقابل توجد فرص كبيرة لصالحه أهمها ثورة الإتصالات التي جعلت الفرق بين "المحلي" والعالمي" مجرد "نقرة".
معهد جنيف لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء إستمرار تزايد حوادث التعصب الديني والتمييز وما يتصل بذلك من عنف، إضافة إلى وضع الناس في قوالب نمطية سلبية بسبب دينهم أو معتقدهم في شتى أنحاء العالم، ويدين في هذا السياق أية دعوة إلى الكراهية الدينية في حق الناس تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف، ويحث الدول على أن تتخذ تدابير فعالة، تتفق وإلتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، للتصدي لهذه الحوادث ومكافحتها.
إننا في معهد جنيف لحقوق الإنسان نأمل أن يكون هذا اليوم فرصة للجميع شعوبا وأمما وحكومات ومؤسسات وطنية لحقوق الإنسان ومؤسسات أكاديمية ومنظمات مجتمع مدني لإدراج معاني التسامح ضمن أنشطتها وبرامجها وخططها من أجل عالم أفضل ترجح فيه فرص السلام والتعاون والتحاور وقبول الآخر وتتقلص فيه مساحات الإصطراع والإحتراب والإقصاء والتعصب، وليكن حاضرا في أذهاننا جميعا أن التسامح - وهو القيمة التي ما خلا منها مذهب أو معتقد أو دين أو ثقافة - ليس مجرد مانع للحروب والعنف، بل هو أيضا حافز للإبداع والإبتكار والتجديد والإكتشاف.
معهد جنيف لحقوق الإنسان يدعو في الختام إلى تكثيف الجهود الدولية لتشجيع إقامة حوار عالمي لتعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، إستناداً إلى إحترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات.