محمد عبد الرحمن المجتبى /رئيس التحرير
في موريتانيا وحدها من بين كل بلاد الله الواسعة يتحدث رئيس الجمهورية فتكذبه موالاته قبل معارضته ، والغريب المريب أنه من يعود بالذاكرة إلى الوراء لإستحضار الخطابات المطولة للرئيس محمد ولد عبد العزيز مطلع مأموريتيه اللادستورية والدستورية ، لا بد أن يتذكر تلك النبرة القاسية التي يتحدث بها عن الفساد والمفسدين ، وما شهدته البلاد من ردح تنموي ونهب ممنهج لثرواتها من طرف المطلبين والمزمرين للنظام الحاكم.
ليست ثمة خصلة للرجل تقاس بخصلة عزوفه عن المديح والتهريج السياسي ، في بداية عهده ، فكان يجوب الولايات الداخلية ومرافقوه يعدون على أصابع اليد الواحدة ، وتسرب حينها أنه يعطي تعليماته الصارمة للولاة بإعداد قائمة كبار المسؤولين الذين تحركوا لإستقباله في ولاياتهم ومدنهم ، لكي يعاقبهم على فعلتهم الشنيعة ، و كان (يا ما كان )عندما يشاهد متملقا في التلفزيون أو حتى تحت قبة البرلمان ، يعلق ساخرا ، أنا لست ولد الطايع لن تخدوعني بكلامكم المعسول وتصفيقكم السخيف ، بهذا خربتم البلد.
فماذا حدث حتى انقلبت الآية ، وصارت الدولة بكل جبروتها تعبئ الطاقات وتحشد المواطنين لاستقبال الرئيس في روصو او النعمة او لعيون ، وفي أي نقطة من البلاد تطأها أقدام الرئيس للاطلاع على أحوال المواطنين ، بل ما ذا حدث حتى صرت يا فخامة الرئيس “تطعم وتغني من جوع” .
لقد أقنعوك يا فخامة الرئيس بكل بساطة أنهم إذا لم يظهروا بجانبك فيعني ذلك أنك بلا شعبية ، ونسيت أو تناسيت فخامة الرئيس أنك تستمد شرعيتك من الدستور الموريتاني ، لا من طوابير المنافقين ، و المواطنين المطحونين جراء السياسات العدمية الكارثية للمنتخبين و الإدرايين المحليين.
اليوم يا فخامة الرئيس تصرح أكثر من مرة بإصرارك على إحترام الدستور ، وهم من حولك حرصا على مصالحهم وغنائمهم يزينون لك سوء تفكيرهم وتدبيرهم ، كي تكون ضحية لغبائهم وهلعهم ، فأنت في نظرهم لست سوى مسكن عضوي فعال لصرير أمعائهم الجاهزة لابتلاع كل ميزانيات الجمهورية.
فخامة الرئيس ، كيف يعقل أن تصرح عبر وسائل الاعلام المحلية والدولية بالإصرار على مغادرة الرئاسة مجسدا أول تناوب سلمي على السلطة ينتظره الموريتانيون ، ويقف وزير ناطق باسمك ، ليقول أن مجرد التفكير في ذلك هو ضرب من أحلام الظهيرة ؟
مفهوم جدا أن تخرج المبادرات مطالبة بخرق الدستور ، والدوس على كل مقدس من أجل أن تترشح لمأمورية ثالثة محظورة دستوريا ، فنخبنا السياسية –إلا من رحم ربك- تاريخها طويل مع التحايل على تطور هذه البلاد ، تنهب خيراتها ، وتخذل ديمقراطيتها، وكأن تحسن أحوال البلاد ،و عبورها “لنهر الريبكون” خطر محدق بمصالح هذه النخب ، لذا يحرصون على بقاء موريتانيا في مربع التخلف التنموي والديمقراطي ، وهي الأكثر ثراء في المنطقة إن نظرنا للمصادر البشرية والطبيعية المتوفرة في البلاد
فخامة الرئيس نذكرك اليوم بالتزامين إثنين قطعتهما على نفسك ، نعتقد أن الوفاء بهما لا يقاس بأي إنجاز سياسي ولا إقتصادي و لا إجتماعي يمكن أن تضطلع به لموريتانيا.
الإلتزام الأول يا فخامة الرئيس هو تبريرك للإنقلاب العسكري على الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ، حيث صرحت في أول خرجة إعلامية لك أنك ستعيد قطار الديمقراطية للسكة ، بعد إنحرافه عنها ، أما الالتزام الثاني فهو التزام بقوة القانون والشريعة الاسلامية ، ألا وهو القسم الذي أديت خلال استلامك لمهامك رئيسا لموريتانيا للمرة الثانية ، إنه عهد وميثاق وقسم باسم الله الواحد الأحد ، فعليك أن تفكر في هذين الالتزامين جيدا ، كلما تجمهروا من حولك ذارفين دموع التماسيح على مستقبل موريتانيا التي لن تقوم لها قائمة في حال مغادرتك للسلطة – برأيهم طبعا –
تأكد جيدا فخامة الرئيس أن بطونهم هي التي تتعلق بك لا ضمائرهم ، فهذه الأخيرة تلاشت لدى المطبلين من فرط ولغهم في مائدة المال العام والخاص.
فخامة الرئيس تأكد أيضا أن التاريخ يفتح لك بابه الواسع، فلا تضعف أمام حشرات التطبلوجيا التي تسعى جاهدة ، لإرتهانك لإجنادتها النفعية الخاصة ، ولإعاقتك عن دخول ذلك الباب المشرف ، إن أنت أصررت على صناعة التناوب الديمقراطي الراقي على السلطة في موريتانيا.
عليك فخامة الرئيس أن تنفي للرأي العام الوطني ، ما باتت موالاتك تروجه له على نطاق واسع ، وفحواه ومبناه أنك تحت السيطرة …!!!
ونجد من المناسب جدا أن نستأنس من رسالة وجهها الدبلوماسي الراحل محمد سعيد ولد همدي رحمه الله لصديقيه سيدي ولد الشيخ عبد الله وأحمد ولد داداه غداة تأهلهما للشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية سنة 2007، حيث يخاطبهما قائلا ” … أعرف أنكما تعرفان كيف يحترم القانون … إحذروا أن تؤسسوا حكمكم على آراء وتحليلات المقربين منكم فقط، ومعاونيكم المباشرين وامنعوهم من أن يغلبوا عليكم بواسطة كثرة الموافقة والتملق مهما قدموا من البراهين لكن ضمن السرية التامة وبعقل ناقد و موضوعي…”
ويتابع المرحوم همدي نصحه مستأنسا بالخطاب التاريخي لصديقه السنغالي “كبا أمبي” الذي ألقاه خلال تنصيبه للرئيس السنغالي السابق عبدو ضيوف سنة 1981م حيث خطابه قائلا: « … يجب أن يدفن كل واحد منا طموحاته الشخصية وينسى صراعاته القديمة ويشد حزامه كرجل شجاع باسم المصلحة الخاصة للدولة و يجب أن يكون الهدف دائما هو تعزيز الديمقراطية التي لا تترك شكا في صحة نتائج الاقتراع، ويجب كذلك أن يقبل الحكام والمحكومون سواء كانوا أعضاء في الأحزاب السياسية أو ليسوا أعضاء فيها أن يقبلوا دون تردد التناوب على قيادة الدولة التي ليست ملكا لأحد فهي للشعب …. الذي ينتدب لها بشكل مؤقت خادما وليس سيدا كما يرى كثير من الناس في هذه القارة…».
المصدر: “إفتتاحية الصدى الورقية” العدد رقم 41 الصادر بتارخ 24 ذي القعدة 1439هـ الموافق 07/08/2018