
لا شك أن خطاب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في ولاية الحوض الشرقي، إلى جانب التعميم الذي أصدره الوزير الأول المختار ولد اجاي، قد كرسا اعتراف أعلى سلطات الدولة بالأضرار التي تلحقها القبلية بمسار الدولة، وما تشيعه من مظاهر الظلم والغبن والتفاوت بين المواطنين.
فهذه الظاهرة، التي تتجلى من خلال ممارسات اجتماعية وسياسية وإدارية، تولد مظالم بنيوية تصل إلى حد توظيف الدين لأغراض فئوية. وهي الظاهرة التي تستند، في جوهرها، إلى الأمية واستمرار اعتبارات بدائية في تصنيف السكان على أساس تراتبية تمييزية ظالمة، مستغلة الهشاشة والجهل لتكريس علاقات هيمنة عتيقة.
وأمام هذا الواقع، تجد الدولة نفسها ملزمة بتصميم وتنفيذ استراتيجية شاملة ترتكز على عدة محاور عملية.
أولية الأولويات فيها هي بناء إطار قانوني واضح ورادع، ما يستوجب التجريم الصريح للممارسات القبلية في تسيير الشأن العام، وخاصة المحاباة والزبونية في التعيينات والولوج إلى الموارد. وينبغي أن يستكمل هذا الإطار بنظام فعال للعقوبات وبحماية متينة للمبلغين عن المخالفات.
المحور الثاني هو القيام بإصلاح إداري عميق يهدف إلى استبدال منطق الولاء القبلي بمعايير الاستحقاق والكفاءة باعتبارهما المعيارين الشرعيين الوحيدين. ويعد إنشاء آليات رقابة مستقلة للإشراف على التوظيف والمسارات المهنية، مرفقا بتكوين مستمر في الأخلاق وقيم الخدمة العامة، أمرا ضروريا لاستعادة الثقة في المؤسسات.
أما المحور الثالث فيتعلق بمواجهة توظيف الدين واستغلال الأمية، مما يستدعي:
- معاقبة استخدام الخطاب الديني لأغراض قبلية
- مكافحة الأمية عبر برامج واسعة لمحو الأمية
- ترسيخ قراءة مستنيرة للنصوص الدينية تقوم على العدل والمساواة
- توعية العلماء والمشايخ الدينيين وقادة التجمعات التقليدية بالبعد الأخلاقي للإسلام
- محاربة الخرافات من خلال تعزيز التربية العلمية والمدنية
كما يجب، بالتوازي مع ذلك، إعداد ونشر استراتيجية وقائية وتربوية طويلة المدى، بحيث تصبح المدرسة بوتقة للمواطنة عبر إدماج برامج مخصصة منذ الطفولة المبكرة. كما أن حملات التوعية الوطنية، عبر وسائل الإعلام العمومية، ضرورية لإحداث تحول مستدام في العقليات.
وأخيراً، فإن كسب هذه المعركة مرهون بإنشاء نظام صارم للمتابعة والتقييم، من خلال إنشاء مرصد مستقل يكلف بقياس تطور الظاهرة، وإعداد تقارير دورية ترفع إلى البرلمان، مع تقييم خارجي للسياسات العمومية، الأمر يضمن استمرار الديناميكية وتصحيح المسارات.
إن نجاح هذا المشروع الإصلاحي الشامل يستدعي إرادة سياسية ثابتة وحازمة. فالأمر يتعلق بتجسيد الطموح في استبدال المنطق الجمهوري نهائيا بالمنطق القبلي، ضمانا للمساواة الفعلية بين المواطنين وصونا لصفاء الدين من كل أشكال التوظيف ة تحقيقا لطموح بناء دولة القانون والمساواة.
.jpg)
