لإصلاح مفهوم السيادة: حماية الشعوب قبل حماية الحدود/ د. نشأت ضيف

ثلاثاء, 30/09/2025 - 13:45

تضمّن ميثاق الأمم المتحدة العديد من المواد التي تنصّ على احترام سيادة الدول، وانبثقت عنه ترسانة من القرارات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي كرّست هذا المبدأ وأكدت عليه. كما نصّ الميثاق في الفصل السابع على إمكانيّة استخدام القوّة العسكريّة في حال الاعتداء على أيّ من الدول الأعضاء أو حتى غير الأعضاء، وهو ما شكّل آنذاك طفرةً نوعية في بنية المجتمع الدولي، إذ أسّس لردع العدوان وحماية سيادة الدول.

غير أنّ المثير للاستغراب هو أنّ الأنظمة الدكتاتوريّة أساءت استخدام هذا المبدأ، ففسّرته تفسيراً ضيّقاً مقتصراً على عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول، بما يتيح للنخب الحاكمة أن تفعل ما تشاء داخل حدودها، بعيداً عن أيّ رقابة أو مساءلة دوليّة. وهكذا، جرى اختزال السيادة في حماية الحدود من العدوان الخارجي فقط، في حين تُركت الشعوب فريسةً لاستبداد سلطاتها، محرومةً من الحقّ في الكرامة الإنسانيّة والديمقراطية.

لقد أدّى هذا الفهم المشوَّه لمبدأ السيادة إلى كوارث إنسانيّة جسيمة، إذ تغوّلت الأنظمة الاستبدادية على شعوبها، وحوّلت دولها إلى معتقلاتٍ كبرى يعيش فيها المواطنون صنوف العذاب والتنكيل، ويُنهب فيها المال العام وتُغيَّب العدالة، وتُصادَر الحريّات باسم السيادة الوطنيّة.

من هنا، آن الأوان لإعادة النظر في مفهوم السيادة ليصبح أكثر شمولاً، بحيث لا يقتصر على حماية الحدود السياسيّة والجغرافية، بل يشمل أيضاً حماية الشعوب وحقوقها الأساسية. ويتطلّب ذلك إنشاء هيئة دولية مستقلة ذات سلطات تنفيذية تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة والجمعيّة العامة، على أن تُحجب عن مجلس الأمن سلطة استخدام حقّ النقض (الفيتو) عند تنفيذ قرارات هذه الهيئة.

أقترح أن تُنشأ هذه الهيئة تحت مسمّى:

“الوكالة الدولية لحماية حقّ الشعوب في الحياة الآمنة والديمقراطية”

تكون هذه الوكالة معنيّة بوضع الضوابط للممارسة السياسيّة داخل الدول المأزومة، وتمتلك صلاحيات تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة عند الضرورة ضدّ الأنظمة الفاشية والدكتاتورية التي تمارس القمع وتنهب الثروات وتنتهك أبسط حقوق الإنسان. وتهدف الوكالة إلى حماية الشعوب المقهورة من الفقر والجوع والتنكيل، وصون حقّها في حياة حرّة وكريمة، بعيداً عن توظيف مبدأ السيادة كذريعة للاستبداد.