في مفارقة عجيبة من نوعها، تقوم السياسة بمنكرها، في المنكب المنكوب، على تعمد الرجوع لأساليب الانتجاع في مفازات أمراض القلوب وجاهلية الأفعال، لا تخطئها الألباب اليقظة وتفضحها العلامات السلبية التي تطبع مبتغى غالبية الخائضين فيها.
فالسياسة في كل موسم:
ـ دعوة صريحة إلى العودة لمربع "اللادولة" وعرصات "السيباتبة" الجاهلية، يُحيي دارسها كاذبُ الشعر وشدو القينات وجرأة المخنثين على الأعراض.
ـ وتجدد لافت لتبذير المال العام على خلفية التفاخر والتنافس؛ مال عام يحصد بالنهب في غياب الوازع الديني والأخلاقي والوطني.
ولكن يبقى الأخطر من كل هذا في هذا الرجوع الموسمي إلى مربع "السيباتية"، وقد استمدت قوتها من "الجاهلية"، ما يكون من إحياء الكثيرين للنزعة الدفينة إلى استبظان أمراض القلوب من جبلة الفطرة، والعمل بظاهر الإثم الذي نهى الله تعالى عنه: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ صدق الله العظيم.
وظاهر الاثم هو كل ذنب يشهده الناس ويدركونه بحواسهم، وباطن الإثم هو الذنب الذي لا تقع عليه أبصار الناس، ولا يراه إلا عالم الخفاء والأَسْرار منْ ذنوُب القلوب وَمعاصيِها.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فـإنــي لا أَخـالُـكَ ناجـيا
والحسد هو أعظم الأمْراض التي تصيب القلوب وتبتلى بها الافئدة، فما دخل قلبا إلا أفسده ولا أصاب نفسا إلا خربها.
وحدر منه رسول الله - صلى االله عليه وسلم وَعظم أمره فيِ أحاديث كثيرة منها «إياكم والظن، فإن الظّن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا»