أميل زولا Emile Zolaالكاتب والصحفي الفرنسي الكبير دافع عن الضابط اليهودي الأصل "درايفوسDreyfus " بلغة موليير Molière عبر مقال حمل عنوان "أنا... أتهم" ـ الذي تحول لاحقا إلى فيلم ذاع صيته وحصد جوائز ـ جَاعِلا يومئذ فسطاطَ " الدرايفوزاريين Les drayfusards " ينتصر على فسطاط "أعداء درايفوس Les antidreyfus" المتهم بالخيانة، وانتهاء صراع اجتماعي وسياسي حدث في نهاية القرن التاسع عشر في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة. اتهم بالخيانة في هذه القضية النقيب الفريد درايفوس، وهو فرنسي الجنسية يهودي الديانة وهزت قضيته المجتمع الفرنسي خلال اثني عشر عامًا من 1894 حتى 1906 وقسمته إلى فريقين: المؤيدين لدريفوس مقتنعين ببراءته والمتهمين إياه بالخيانة.
قدم من فرنسا إلى نواكشوط محاميان فرنسيان مشبعان بمفهوم "الدرافوزية" لتلقين المحامين الموريتانيين دروسا ـ في المحاماة بلغة "مولييرMolière" على طريقة "أميل زولا" ـ في قضية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزير الذي ظهر اسمه في عديد ملفات فساد كبير عرفته البلاد طيلة العشرية التي كان الحكم فيها كله بيده.
وعلى خلفية رفض التعاطي مع "محققي" شرطة الجرائم الاقتصادية ما زال الرئيس السابق موقوفا لديها، فيما يتحرك، خارج مكان استجوابه، أنصاره على عديد الصعد في سعي منهم إلى رفع قضية ضد ما أسموه بالحجز التعسفي لـ"رئيس سابق" في ظروف، كما وصفوها، غير لائقة ومفتقدة لأساس قانوني قوي بالنظر إلى كونه رئيسا سابقا للدولة.
ويتزعم هذا التيار الذي يمزج بين:
ـ السياسة وحقوق الانسان،
ـ وشبه "التغول" على القانون وتحدي الدولة من خلال التصريحات النارية واتهامها بالخروج على النظام،
ـ وتحدي العدالة ومحاولة تنظيم المؤتمرات الصحفية من دون ترخيص، وباستغلال لأسماء أحزاب واستئجار لخدمات بعض صحافة صفراء أو مبتدعة.
عدد من المتحمسين تتكون زعامتهم من عدد بالكاد يصل الثمانية ممن يصفون أنفسهم بالأوفياء للرئيس السابق، لكن على خلفية خشيتهم من إثبات ضلوعهم المحتمل في ملفات الفساد التي لم ينفض عنها الغبار بعد ولكنها المعلومة الحجم والنوعية أصلا، قد خلق ضمن أجندة مرتبة، حراكا سابقا لأوانه لخلط الأوراق وصرف النظر عن ضرورة الاستماع والحصول على الردود المتعلقة بالأسئلة التي تضمنها تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة التحقيق في ملفات الفساد الذي تخللت فصوله العشرية المنصرمة.
ويأتي تحريك هذه الدعوى بحضور محاميين فرنسيين ـ لن يطلبا بالتأكيد فتات مال ـ ضمن هذا السعي المحموم والشبه الخارج، على حد وصف بعض الرسميين، على القانون والمخالف للنظام، واستجلابهما من فرنسا بقصد المرافعة والدفاع عن الرئيس السابق، في محاولة لاستباق "مصير" قضيته التي بدأت تتشعب بسبب تطورات أخرى طرأت فث تلاحق غير مسبوق، منها ما قد تكون له علاقة بالأمن، ومنها أيضا ما قد تكون له، وربما، دوافع وأبعاد اجتماعية بالنظر إلى ما يتم تداوله على عديد وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، إن حركت جميعها وتم الخوض فيها قد تحدث مفاجآت غير متوقعة الأبعاد وخطيرة العواقب.
وأما المحاميان الفرنسيان فقد أبديا، مع أول خرجة إعلامية، خفتهما وأبانا عن نظرتهما الاستعلائية الاستعمارية لنظرائهم من الموريتانيين من خلال تقعر لفظي بادي وصلب قانوني مغالط. لكن هيهات أن يحققوا بذاك أي نجاح في بلد علم الفرنسيون أيام الاستعمار أنه مختلف عن كل البلدان التي بسطوا عليها سيطرتهم، وأن أهلها على الرغم من مظهرهم المتواضع أنداك كانوا أهل بلاغة طافحة وحزم بالغ وشدة في حينها. وسيعلم الذين لا يريدون للعدالة أن تأخذ مجراها وهم يكيلون بمكيالين فلا يتباكون على بلاد نهبت خيرات شعبها وحرم منها وظلم وتم الاستهتار به وعرف الانتقائية في توزيع البقايا وظلم الشرفاء الوطنيين منه والمسيرين الأصفياء الأكفاء لا لسبب سوى أنهم لم ينصاعوا وراء الباطل ولم يتواطؤوا على مقدرات البلاد ولم يذروها في مهب كل رياح سموم عند أقدام كل راش أثيم مقابل فتات مقيت لئيم، ولا يتدبرون قول الله عز وجل:
"إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".