وهل الإعلام من الناحية النظرية إلا عين وعقل، وضمير المواطن وبصيرة الوطن. أو ليس من المفروض انه أداة الشعب لمراقبة جميع السلط والمؤسسات في الدولة، وفضح الفساد أنى وجد؟
أوليس من المفروض ان يلقي الضوء على الحسنات والسيئات في ممارسة الحجم وأداء التسيير ونهج التخطيط، وأن يسلط الضوء على مواضع الضعف، ومكامن القوة، ومشاهد القبح ومناطق الجمال؟
أوليس هو في الوقت نفسه بمثابة همزة الوصل بين النظام الحاكم والمواطن، إنه أداته ونافذته لتشكيل الرأي العام في القضايا المصيرية، ومتسعه لمخاطبة المواطنين وتعريفهم بالقرارات ومضمون السياسات ومعلن الخطط ومجرى القوانين وإحكام النظم وغيرها.
ومن الناحية النظرية، ألا يُسهِم الإعلام، في تشكيل أفكار الأمَّة، والذي لا يخلو أو لا يحيد عن أحد أمرين:
- فإمَّا أن يكون عاملَ بِناء قوي يَحثُّ على التقدُّم ويؤسس للتنمية ويحقق تماسُك النسيج المجتمعي،
- وإمَّا أن يكون عاملَ هدْم يسفر عن الاضطرابات، يزعزع الأمن، يسبب القلَقً الفكريًّ، يحدث الشروخ في نسيج الأمة ويفت في عضض المجتمع.
وإن أشد أنواع الفساد الذي ينتاب البلدان، فيقوض تنميتها ويهز وحدتها، هو فساد الاعلام لأنه بقوة خطورة السكر من الخمر في الإسلام، فوق الكذب القتل وإتيان الرذيلة. ولأن الكذاب عليه وزر كذبته بما كذب، والقاتل بمن قتل، وصاحب الرذيل بما أتى، فإن السكران من شرب ونحوه قد يجمع البوائق كلها فكذب وقتل وأتى الرذيلة.
وإن الذي يفسد المال العام، من موقع المسؤولية والائتمان على الأعناق والأرزاق، لهو الجاني من كل منظور، فبعد الحنث وهو أعظم مراتب الكذب والخيانة للأمانة، فقد قتل الناس جميعا في سلب حقوقها وقطع أرزاقها، والدولة في تقويض استوائها وتعطيل مسارها، وأتى كل معصية الاعتداء على المال العام وحرمة وهيبة الدولة.
ولما أن يمتنع الاعلام عن فضح الفساد وتعرية المفسدين بالاستقصاء والتحري والإخبار بأمانة، فإن التواطؤ لا يخفى عندئذ وإن السور الواقي من المتابعة والمساءلة قد ضرب على المفسدين لحمايتهم من تباعات جرمهم المتعدد الأوجه.
هنا يكمن سر قوة المفسدين وثقتهم في الإفلات من أية عقوبة قانونية. وإن هذا الاعلام ليقبض مقابل هذه الخدمة التي تتوشح برداء الخيانة.
فكم موقعا وصحيفة ومنصة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي هي مجندة لهذه الغاية، وكم داعما إن لم يكن مدفوعا بعامل القبلية العصية على الانزياح، أو الجهوية النافذة، أو العصبية الحية، أو العشائرية، أو الطبقية، فإنه إلى ذلك بسبب النفعية والرشوة.
ويبقى، والحال على ما لا يسر من قوة المفسدين واستهتارهم بمال البلد من مقدراته الكثيرة ونهبها بلا تأنيب من ضمير، أو ردع من وازع ديني أو أخلاقي أو وطني، أنه أصبح لزاما أن يتولى الشعب والقليل من النخب الذي مازال بحوزته بقية من الأخلاق وشيء من التقوى أن يرفعوا الأصوات المطالبة بنفض الغبار عن ملفات الفساد الكبرى ومساءلة المسؤولين عنها والضالعين فيها على حد سواء لإحقاق الحق واسترجاع الممتلكات العمومية ومال خزينة الدولة وهيبتها، استنادا إلى الخطوات التي أعقبت وعد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بإيقاف الفساد ومساعدة العدالة على أن تأخذ مجراها، من خلال كل متاح قانوني بدء باللجنة البرلمانية التي تشكلت للنظر في ملفات الفساد ومساءة القريبين منها.