لا شك أن المؤتمر الصحفي الذي عقده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني و توج مأدبة العشاء التي أقامها القصر الرئاسي مساء الخميس/الجمعة، دعا لها صحفيين ممن دعوا بالجيل الأول والثاني من الصحافة، كان مناسبة فريدة تحدث فيه فخامته عن اهم مجالات عمل الحكومة خلال الأشهر السبعة الماضية تنفيذا لبرنامج "تعهداتي الإصلاحي بمحتواه وتوجيهاته واستشرافه وحيث كان فخامة رئيس الجمهورية في منتهى الالمام بجميع القضايا والملفات وبأحوال البلد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فجاءت ردوده على الأسئلة مباشرة وصريحة وجلية.
ولما أن رئيس الجمهورية كان مدركا بشدة للأهمية البالغة للصحافة ومكانتها في مسار وحراك ومصير الدول، فقد قال، بحَصافة عالية وبلاغة شديدة، إن إصلاح "الاعلام"، قطاعا ومؤسسية، هو مسؤولية مزدوجة وضرورية بالغة الالحاية لما لـ"الصحافة" منه، على وجه الخصوص، من دور لا مناص منه على وجه كامل في "المعول الأول" وأهمية قصوى في المرافقة لكل مفاصل الإصلاح الشامل الذي تضمنه برنامجه "التعهداتي". ولن يفوت المتابع لهذا الاعلام بشقية العمومي والخصوصي أن هذا الإصلاح لن يتأتى إلا من تقنين رأس الهرم المصاب بـ:
ـ الهرم المتمثل في مفرزة من عيوب الموالاة النمطية التي لم يبتعد أفرادها، ولو مرة، عن دوائره على خلفية ثابتة من غياب التحيين في الأداء والمنهج؛ مفرزة تختار من تشاء لحضور المناسبات الرسمية واللقاءات العليا على معايير انتقائية وإقصائية وزبونية، وتسد عين الشمس عن المهنيين الأكفاء والمبدئيين من أصحاب الضمائر النظيفة والإخلاص للوطن في الإخبار والتناول والتحليل، والشباب المتحمسين لمجاراة التطور الحاصل في الصحافة اليوم بمهاراتهم وحرفيتهم،
ـ واللغة الجامدة بقِدمها على قوالب الخشب الموروثة من العهود التي توالت ثم ولت حتى آخرها مما يكشفه انصراف المواطنين إلى القنوات والإذاعات الأجنبية ليستعلموا حتى عن وطنهم ويثقفوا ويترفهوا.
ولا شك أن هذه اللفتة الواعية من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى قطاع الإعلام "المتذبذب" هي الدليل الذي لا يدع مجالا للشك أن العهد الجديد يعي أهمية هذا القطاع عموما والصحافة منه خصوصا، وأنه يقدر، حق قدرها، ضرورة انتشاله جميعا من الحالة المزرية التي يتخبط فيها بشقيه:
ـ الخصوصي الذي يلجه ويكتتب من يُشاء بلا ضمانات ولا ضوابط ولا شروط ولا مواثسق، ولا يمتلك أطرا مؤسساتية معلومة،
- بصحفه الرمادية في عصر الألوان، والمفتقرة إلى المحتوى والانتظام،
- ومواقعه الخاوية إلا من المدح المبتذل والذم المجتر،
- وإذاعاته الفلكلورية الببغاوية،
- وقنواته التلفزيونية الضعيفة الإنتاج والمفتقدة إلى المهنية واللمسة الفنية والابداعية،
ـ والعمومي المتحجر في جمود قوالب أحادية التوجيه بقبضة الماسكين به لغايات أبعد ما تكون عن مقاصده التي أنشئ لها، وأولها اضطراب البوصلة وعدم الاهتداء وشدة ضعف الأداء وغياب كل علامات المصداقية.
وبهذا اللقاء مع الصحافة الوطنية دون الدولية، كما حصل، إنما يعطي رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الإشارة الواعية لانطلاق تصحيح مسار "المهنة" مدركا بوعي متقدم إنها إن صلحت صلح جسد الدولة كلها، وإن ظلت على ماهي عليه من الخور والزيغ على أيدي "شوائب" معشعشة في "الرأس منها" أفراد الهرم، ضاع المسار وحبطت كل الجهود التي تُبذل وظل الفساد سيد المواقف كلها والنهب وسوء التسيير ينخران جسم الدولة، وظل البابُ مفتوحا أيضا أمام عجزها للمتربصين بوحدة شعبها ولحمته وأمنها في حمى صحافة بعيدة عن دورها النبيل المعهود يسوسها، لهذا الانزياح عن المسار الصحيح، أفراد غير مؤهلين للمهمة، وبضمائر معتلة لا تكترث لدورها المحوري العظيم.