وتر حساس... بلادي أضاعها الخطباء
في غياب صارخ لأي نوع أو مستوى يكون من التظاهرات العلمية أو الابتكارية في شتى المجالات الحيوية والفنون الإبداعية، تطالعنا بين الفينة والأخرى تظاهرات لـ"الشعر" المصدوم في كبريائه ـ وإن خلصت في تنظيمها بعض الجهات القليلة كـ"بيت الشعر"ـ بخرجات تشكو غياب الالهام ويمتطي ظهرَ التملق والارتزاق خلالها أغلبُ حضورها ليملئوا طبلات الآذان بجارف من الخروج عن نبل جوهره وسمو قصده في التوجيه والبناء، وعن فيض معينه للارتقاء بالنفس، مع ثابت التواضع، إلى مراقي علو الهمة؛ شعر غالبه مدجن يصدح به "متشاعرون" في ربى العاصمة المصابة نخبتها الأدبية، إلا من رحم ربك، بنضوب الخيال ولا تمتلك عدا عن الكلام :
- منابر لإلقاء منتقى الشعر ورفيعه،
- ولا منصات يعتليها المكرمون من سدنته على استحقاق والمُجيدون المترفعون، بالكبرياء التي تليق بالفرسان، عن تافه المقاصد به،
- ولا مسارحا وصروحا ودورا وساحات ومعالم لممارسة مختلف الفنون الجميلة التي تلتحم بالشعر عند ملتقى أنبل مراميه وفي مفاصل أسمى معانيه،
- ولا مكتبات ومعارض للكتاب، مُهذب العقل الأول وخيرُ "جليس" له في الزمان؛
مفتعل شعر فقط، تزكيه في غالبه مجاملة مذهب "رد الصاع المجامل" صاعين، يحملُ وَهْمَ " الكيان الفاضل" ومُدعى "المجد التليد" العابر للزمان والمالئ للمكان.
فهل نقبل، والحال هذه، بأن يصدق فينا قولَ نزار قباني ذات لحظة إلهام دافق بالشاعرية السامية التي تتجاوز العاطفة الزائفة إلى تجليات عزة الشعر الصادق:
أنا ما جئت كي أكون خطيبا +++ فبلادي أضاعها الخطباء
من قصيدته التي مطلعها:
مرحبا يا عراق جئت أغنيك +++ وبعض من البكاء غناء
فأي "خطيب" أدهى وأمر قولا مقفى وموزونا، وأعتى "فجورا "لفظيا" من شاعر يبيع القريض بلا حياء ويصنع الشعر بلا إلهام ثم لا يستحي أن يخذل أمته ويبخل عليها وهي في أوج حاجتها إلى كلام يرفع به معها تحديات الجهل ويقضي على محنة التباكي بأسطورة الألمعية، ويرفع تحدي محاربة التخلف عن ركب الأمم؟
ومتى يدرك الشعراء المحبطون أن الشعر أسمى من أن يظل يُصنع فقط للتظاهرات الموسمية بلا هدف سوى ما يجنى به من التعويضات المالية المتواضعة والسمعة العقيمة؟