حضرت في قاعة العروش بالمتحف الوطني تظاهرة ثقافية من الطراز الرفيع يحييها بعرض علمي متقن باحث ألماني مؤرخ وخبير في التاريخ الإسلامي "البروفسور رشتوك الريك"، سبق أن قضى فترة طويلة في موريتانيا قام خلالها بزيارة المدن القديمة ونفض الغبار عن بعض كنوزها من المخطوطات النادرة القيمة، وأنقاذ ورمم وصور البعض ووضع فهرسة للكثير منها مع هوامش دقيقة تحيط بكل جوانبها (مصدرها، محتواها، تاريخها، تصنيفها، اهتمامها، إلخ...) كما ساعد في ذات المنحى باحثين ألمان مهتمين على التأليف عنها والاستنباط التاريخي العلمي من حمولتها التاريخية والعلمية والاجتماعية والاتنتربولوجية.
هذا العالم والباحث الألماني الذي اجتهد في كل ما ذهب إليه من تثمين لتاريخ مددنا القديمة ألقى محاضرته القيمة في ظروف أقل ما يمكن القول عنها إنها كانت مطبوعة باللامبالاة المنطبعة في عقليتنا العصية على الجد، وسط حضور دون المطلوب من الأكاديميين والمعنيين وكأن المقام أقل من الذي يجب أن تتداعى له النخبة. كما أنه سجل غياب من دعاهم بالأصدقاء أيام بحثه وحراكه الجاد بين المدن.
وإن لم يحضر المسؤول الرسمي عن افتتاح النشاط إلا متـأخرا وبعد البدء في النشاط الذي كان صابه وشح من طرف رئيس الجمهوري بمناسبة عيد الاستقلال على ما قام به من جهد في رد الاعتبار للمدن القديمة وانتشال بعض كنوزها من المخطوطات النادرة، فإن سوء تنظيم القاعة أحرج المحاضر وضيع جهده ما بين رداءة وسائل إسماع الجمهور والأخرى لعرض الوثائق على الشاشة. كل هذا عدا عن سوء الاستماع من طرف الجمهور نخبة وعامة، وعن تدني الاهتمام بالمحتوى العظيم الذي حملته، مع ذلك، هذه المحاضرة النوعية.
فأي مكان يمكن أن يرجى للثقافة إذن في بلد لا يكترث فيه المدعو "المثقف" بالعطاء الرفيع ولا "المتلقي" بقطاف ثمار المعارف، ولا "المنظم" بخلق الظروف الملائمة لأبسط أوجه اللياقة متمثلا في وسائل إيضاح تعمل، وحسن استماع، وقليل تفاعل؟
أو لسنا بهذا نهين الثقافة؟