معالي الوزير الأول،
في الوقت الذي نتغنى بالماضي ونتعلق بأهدافه "البالية" دون جوهره "الدفين" - من إهمال وتقصير وعقدة "هوية" ساذجة - ونصرف الأموال من الخزينة العامة في غير ما استثمار منتج فيه أو مردودية على العباد والبلاد، يبيعُ غيرُنا الماضي لديه بعناية فائقة وذكاء مبهر وإتقان شديد ومنهجية علمية عالية، ثم يدعم بالريع حاضره الديناميكي محملا إياه معالم المستقبل المتوازن الواعد.
معالي الوزير الأول،
وبهذا إنما يجمع غيرنا بين التعريف الواعي بتاريخه، والحفاظ عليه عمليا في "الحاضر" كعامل اقتصادي مميز ومنتج لافت ومغري، حتى باتت أفواج السياح تتوجه، في حركة لا تتوقف، إلى كل أنحاء المعمورة لرؤية الآثار والتعرف على أحفاد صناعها، دافعة أموالها من أجل ذلك؛ أمواج من السياح لم يسلم من فضولها وحضورها:
- مسجدا "ادجيني Djenné " و"تمبكتوTombouctou " بمالي،
- جزيرة "غوري Gorée" بالسنغال، المتحف و"دار الرقيقMaison des esclaves "
- قصور ومدارس وحصون "فاس ومكناس" عاصمتا المغرب التاريخي،
- مسجد "القيروان" بتونس ومحط رحال الفاتح عقبة بن نافع وجماعة من الصحابة معه،
- "السور العظيم" بالصينLa Muraille de Chine ، الأعجوبة المعمارية والعسكرية،
- "الكوليزيومLe Colysée " بروما في إيطاليا، الشاهد على عظمة الامبراطورية الرومانية وإشعاعها الحضاري في الغرب و الشرق،
- "الاكروبولL’Acropole " على جبل الأولمب في أعالي أثينا باليونان مهد الحضارة الأوروبية ومنطلق الفلسفة،
- "قصر فرسايVersailles " وحدائقه البديعة، ومغارة "لاسكوLa Grotte de Lascaux " بفرنسا،
- ساعة "بغ بين Big Ben " العريقة وجسر البرج في لندن بإنكلترا،
- معابد "آنكورAngkor " العجيبة، بانكوك بتايلندا،
- "مغارة بوذاBouddha " في الهند،
- أهرامات ومدن "أكابولكو وتيوتهواكانTeotihuacan, Acapulco " لحضارات المايا والإنكا والأزتيك في المكسيك وأمريكا اللاتينية، وأهرامات "القاهرة" وأثار الأقصر بمصر،
- المسجد "الأزرق" بتركيا وعظمة الدولة العثمانية،
- آثار تدمر في سوريا وبعلبك في لبنان و"البتراء" في الأردن
واللائحة تطول؛ معالم تشهد كلها على تاريخ أمم عريقة اشتهرت بالعلم والتدين والفتوحات والآداب وفن العمارة والنحت والرسم والمسرح، لا تقام لها مهرجانات بالمال العام وإنما تسوق بتخطيط وذكاء الحكومات واستعداد المؤرخين ومهارة رجال الأعمال واستثماراتهم الوطنية من أجل الحفاظ على تاريخهم والتعريف به وتسويقه بما يليق حتى يستقطب في كل المواسم أفواج السياح والباحثين والمهتمين.
معالي الوزير الأول،
فهل نسوق تاريخنا كما تفعل جميع الدول ونطلق من "عقدة" الإحساس بـ"الدونية"، تلك العقدة المريرة التي يغطيها الاندفاع الفوضوي والتغني بالأمجاد دون بذل الجهد العلمي اللازم لتقديم أدلة عملية مقننة على ذلك وكتابة التاريخ بأحرفه الذهبية التي تضعه في نصابه الصحيح تتعلمه وتعتز به الأجيال وتهتم بالحفاظ عليه.
وهل ينتبه رجال "الإهمال" عندنا ويتحولون إلى رجال "أعمال" واعين فيستثمرون في هذا الجانب الذي ينتمي إلى مجال السياحة البالغ الأهمية في حركة الاقتصاد ودفع عملية التنمية الشاملة للبلد وفي السعي كذلك إلى التعريف بكل أوجهه بالقدر والمستوى الذين يستحقهما.