لا شك أن تخليد الدول لأعياد استقلالها واجب وطني من أهدافه السامية تعزيز حب البلد في نفوس المواطنين والغيرة على هذا الاستقلال الذي يرمز إلى الحرية من كل نير والسيادة المطلقة.
ولكن لا شيء مطلقا يفرض على سلطات البلدان استخدام الأموال الطائلة من الخزينة العامة لتنظيم استعراضات مكلفة، لا سيما إذا كانت هذه الدول بحاجة إلى هذه الأموال لتحسين الشبكة الصحية لمواطنيها وتجهيز المدارس لأبنائها من بعد تشييدها، وفي توفير المياه للشرب والزراعة، والطاقة للحركة الصناعية وترميم الطرق وتوسيع شبكتها لضمان تنقل الناس وحركة الأموال وتوسيع التبادل التجاري، وغير ذلك من الخدمات والبنى التحتية كثير مما يعين البلاد على تجاوز مرحلة التخلف والضعف.
يقول المتحمسون، بدافع حسابات ضيقة، إن تنظيم احتفاليات التخليد في الولايات الداخلية يخلق فرص العمل لساكنتها الأصليين وينعش حركتها الاقتصادية، وما الأمر كذلك لإن ما يصرف من المال لنقل المسؤولين وعتاد التنظيم، من أثقله وزنا إلى أخفه حملا، وما يتقاضاه المسؤولون عن التنظيم ويربحونه من وراء الاعداد اللوجستي كافي لبناء بعض المرافق الخدمية التي تحتاجها هذه الولاية؛ مرافق لو أنجزت ستبقى، مع ذلك، كمنجز من حقها أصلا في دفتر التنمية.
وبتفاوت الدول في القدرات تتفاوت الاحتفالات كما يعلمنا العالم من حولنا فلا نرى يسرف إلا الدول التي تخطت حاجز التخلف والفقر ودخلت نادي الترف الاحتفالي مثلما أرتنا الصين مؤخرا وفرنسا من قبلها وبين ذلك تواضع احتفاليات الولايات المتحدة الأمريكية بعيدها الوطني رغم أنها الأقوى والأغنى عالميا.
فهل نتخلى عن مثل هذا البذخ والفساد الذين سنا من دون اعتبار للعواقب الوخيمة المترتبة عنهما، ونتوجه في العهد الجديد إلى الاقتصاد وتوجيه المال العام إلى العمل التنموي الخالص وترك المظاهر الباذخة إلى أن تتوفر الأسباب و"الاقتدار" على ذلك؟