"لا كف عن العويل من أبكاه النصيب"
في هذه الاستحقاقات الرئاسية الاستثنائية في تاريخ البلد حالف النجاح مرتين المترشح محمد والشيخ ولد الغزواني.
فأما النجاح الأول فكان نتيجة حسن أدائه الرفيع الذي ما فتئ يقوم به حتى آخر أنفاس الحملة وذلك من خلال ما تحلى به من سلوك سياسي قويم، زانه اثنان حلم الترفع عن غير فحوى الحملة وحزم المدرِك جسامة الطموح، سلوك لم يجاريه فيه طيلة الحملة منافس من ناحية، وبقوة الإقناع في خطابة لم يعهدها من قبل أهل البلد عند من سبقوه من ناحية أخرى.
وأما النجاح الثاني فكان بتماسك وواقعية مفاصل برنامجه الانتخابي الذي ما شابه أي انحراف وقد لامس في مجمل محتوياته تطلعات الشعب وعبر عن آمله في تحقيق العدالة المشتهاة من خلال توزيع خيراته الوفيرة، وفي بناء أكثر صرامة على وتيرة أسرع لقوة البلد المتأخر عن الركب الأممي على الرغم من مقدراته الهائلة في تنوع فريد.
صحيح أن هذا النجاح المستحق هو ثمرة جهودُ الرجل الذي أبان منذ أول خرجة له عن حنكة سياسية عالية وضبط استثنائي للنفس عن المهاترات السلبية، وقدرة فريدة على الاشتغال المتواصل لتمرير برنامج رصين يحمل وعودا منصفة:
- بالتغيير البناء المتوازن،
- ونشر العدالة الحقة، بين مكونات وجهات المتباينة،
- رفع وتيرة البناء القاعدي للوطن
من خلال حكامة رشيدة وضرب على يد المفسدين ومحاكمتهم واسترداد ما نهبوا من خزينة الدولة وتلاعبوا به من مقدراتها.
وأما المعارضة فإن لم تكن قد دفعت ثمن تشرذمها، فإنها على الأقل قد جنت فيه من الأصوات المستحقة ما يعبر عن وزنها متفرقة وذلك بالطبع من خلال النتائج التي تحصلت عليها في نهاية الاقتراع وبعد عملية فرز الصناديق. وكما يقول المثل المعروف "لا كف عن العويل من أبكاه النصيب".
وأما النتيجة التي نجح بها وفي الدور الأول رئيس لموريتانيا المترشح محمد ولد الغزواني فلا شك أنها دليل لا يقبل التشكيك بنزاهة العملية في مجملها، وأيضا ببراءة لجنة الانتخابات مما وصمت به من انحياز وقبول للتزوير والخروقات؛ براءة سجلها لها كذلك جميع من حضر من المراقبين الدوليين والمحليين، كما لم يذهب إلى نفس هذا الاتهام الإعلامُ العربي والافريقي والدولي الذي غطى الاستحقاقات من أول لحظات انطلاق الحملة الرئاسية إلى غاية قراءة النتائج من طرف رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات.
فهل بعدها إلا أن يسعى السياسيون إلى التصالح مع أنفسهم وفيما بينهم، وأن يفتحوا صفحة جديدة لبلد منهك يحتاج إلى جهود الجميع للإقدام إلى الإصلاح الموعود من الرئيس الجديد الذي نجح وقد قطع على نفسه وعودا لا شك أنه يدرك حقا حجمها ووجوب تحقيقها من منطلق معتقده الراسخ و إيمانه بوطنه، وأن يعينوه على هذه المهمة الجسيمة حتى يحقق لموريتانيا ما تستحق من عدالة وبناء ومكانة بين الأمم المتصالحة مع نفسها والمؤمنة بوحدة شعوبها وضرورة لحمتها وسعيها معا إلى العدالة والتوازن والنمو والرخاء.