عجيب أمر السياسة في بلاد التناقضات الكبرى تلبس، في الغالب الأعم، عند كل موسم جديد لباسا رثا من النفاق المتخلف في دوامة تجدد المطامع ومحاولة بعثها داخل السياقات الطارئة للنيل بها ما كان تسنى في السابق الذي يولي الدبر.
إنه تهافت التهافت على المترشحين قبل الترجح، عُلمت أسماؤهم أم فقط ذُكرت، بجرأة مجردة من الحياء والتأني والتبصر واستحضار الحس الوطني، وكأن الأمر إبحار في الحاضر بمجاديف الماضي الصدئة وعقليته السقيمة المتناقضة مع ذوات أهلها في الظاهر المعلن وانسجامها مع الثابت في العمق منها.
وتعكس التطورات السريعة داخل الأحزاب السياسية هذا الواقع الجديد حيث أن مسألة الترشحات من داخلها أيقظت شياطين الخلافات المزمنة التي تنبني على ثلاثية حب التفرد بالزعامة والغبن وإبعاد الآخر في لحظات الحسم من جانب؛
كما عكست هذه التطورات، من جانب آخر، أنها الأحزاب السياسية ذاتها التي لم يستوعب زُعماؤها ـ بما فيه الكفاية ـ مدى أهمية هذا التحول الذي يجري في المعطى السياسي وداخل عقلية المواطن الناخب القادم، حيث أن الغالبية العظمى تزمع دخول معمعة الحملة الانتخابية بعقلية مغايرة تماما لما ظلت عليه منذ عهد الحزب الواحد والأحزاب المختومة بطابع الماضي القبلي الطبقي، حتى اليوم، في الأغلبية، تجري التحولات الاصطفائية في الدائرة الضيقة لمعطى لواقع الذي طرأ وقد:
- أعيى فهمها،
- وأربك مخططاتها،
- وقيد ألسنة زعمائها،
- وأظلم على أبصارها،
- وخلخل بصائرها؛
تحولات أضرت باللحمة التي كانت على قلب المصلحة المقسمة بتفاوت الأهمية والقدرة على التميز في النطق بلغة الأخشاب وشعر الأنصاب ونثر الأزلام.
وهي أحزاب لأغلبية التي لا تملك كذلك إلا صكوك الولاء الآني والزهد الكلي في الخطاب البناء الذي يحمل هم الوطن، وقد أجاب معبرا عن حالها أحد قياداتها، في عهد من العهود التي مضت، على السؤال:
- لماذا تخليت عن كل الأنظمة السابقة لتلتحق بالتي تحل محلها تباعا؟
- غير صحيح أنني تخليت مرة عن نظام حاكم! والصحيح أن الأحكام هم الذين يرحلون عني ويتركونني للذي يحل محل كل هم.
وأما المعارضة فعلاوة على عجزها عن توحيد الرؤية والاتفاق على الأمثل للمرحلة، فإنها تكثر من الخلافات وتسرف في التأويلات لأسباب الشقاق الذي يذهب ببعضها إلى الالتحاق بصفوف الأغلبية.
ولكن المرشحين القادمين أيا يكونون سيحسبون للتحول في عقلية المواطن الناخب ألف حساب ويغيروا لعبة التعامل مع سياسة الانتهازية والتزلف ولغة الخشب، وسيضعون في حسابهم ضرورة مسايرة هذا التحول واستغلال فرصة استثماره لوضع البلد على سكة جديدة قواهما الديمقراطية الحقيقية وخلفيتها دولة القانون والمواطنة.
والحقيقة، التي بدأت تظهر جلية وتطبع الواقع السياسي، هي أن عديد المؤشرات بات يشيرعلى ظهور تحول إيجابي في المسار السياسي المقبل قوامه،
- نبذ الارتزاق السياسي، ورفض الاستماع إليهم،
- وعدم الاستماع إلى لغة الخشب والاتكاء على مفاهيم تتعارض ومفهوم دولة القانون والمواطنة؛
مؤشرات محورها عدم التعامل مع باعة المواقف الرخيصة والولاءات الزائفة والاستماع إلى نبض الشعب الذي بات واعيا لضرورة الحكامة الرشيدة التي تحفظ خيرات البلد من عبث المفسدين وتسخره لخدمة التنمية الشاملة ورفاه الشعب بكل مكوناته.