اختتمت مساء اليوم الخميس الدورة البرلمانية العادية الأولى لسنة 2018-2019، وذلك بحضور عدد من أعضاء الحكومة.
تميز حفل الاختتام بخطاب لرئيس الجمعية الوطنية، السيد الشيخ ولد بايه، طالب فيه السادة النواب بالإسهامَ بجهدكم - كمنتخبين وشخصيات مرجعية مؤثرة- في إرساء ثقافة السلم والوئام بين كل مكونات مجتمعنا.
وذكر السادة النواب بأن مهمتهم التي انتخبهم عليها الشعب لأدائها هي مهمة سامية ونبيلة تقوم على خدمة الشعب بطرح مشاكله، وإدارة العملية التشريعية ومراقبة العمل الحكومي وفق ما خولهم القانون، وهي مهمة أسمى - بطبعها - من الشخصنة وتصفية الحسابات.
و هذا نص الخطاب:
"بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
السادة الوزراء؛
زملائي النواب؛
سادتي، سيداتي؛
ها نحن نختتم دورتنا العادية الأولى لسنة 2018-2019 التي كانت أول دورة برلمانية في الإنابة التشريعية الحالية.
لقد شهدت هذه الدورة، علاوة على مناقشة وإقرار قانون المالية الأصلي لعام 2019، مصادقة الغرفة على العديد من النصوص التي منحتموها ما تستحق من وقت وجهد، دراسة وتمحيصًا في اجتماعات اللجان، وتصويبًا بالتعديل عند الاقتضاء، ومناقشة وتصويتًا في الجلسات العلنية.
ففي المجال المالي، صادقنا على مشروع قانون المالية المعدل لسنة 2018 ومشروعي قانونين يتضمنان التسوية النهائية لميزانيتي 2016 و2017، إضافة لنص سيساهم - دون شك - في تطوير النظام المحاسبي للبنك المركزي الموريتاني وتعزيز استقلاليته.
أما اقتصاديا، فقد أقررنا نصوصًا مهمة ينتظر أن تعود بالنفع على وطننا، لعل من أبرزها مشروع القانون الذي يترجم صدق الإرادة المشتركة لبلادنا وجارتها السنغال في أن يوسع استغلال احتياطات حقل تورتي/ آحمييم الكبير من نطاق مشتركات البلدين التي فرضتها روابط القربى وأحداث التاريخ وحقائق الجغرافيا واليوم تأتي الثروة المشتركة لتعززها أكثر فأكثر.
كما صادقنا على اتفاقيات تعكس بجلاء حجم وفعالية الحضور الدبلوماسي المتنامي لبلادنا في الساحة الدولية والذي بلغ في السنوات الأخيرة مستوًى غيرَ مسبوق يشكّل مفخرة لنا جميعا.
وقد بلغ العمل البرلماني، خلال هذه الدورة، ذروته بتفعيل مقتضيات المادة 42 جديدة من الدستور التي تشكل تطورا مشهودا لمنظومتنا القانونية وترسيخا مؤكدا لممارستنا الديمقراطية. وهكذا، منحت جمعيتنا الموقرة ثقتها للحكومة المعيّنة، على أساس البرنامج الذي التزمت بمسؤوليتها عنه.
السادة الوزراء؛
زملائي النواب؛
سادتي، سيداتي؛
لم تكن الدبلوماسية البرلمانية بمنأًى عن نشاطنا، فقد استقبلنا العديد من الوفود البرلمانية الأجنبية والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في بلادنا. كما شاركنا بهمّة عالية في فعاليات مؤتمرات برلمانية جهوية ودولية.
زملائي النواب،
إنني إذ أشيد بهذا العمل الجبار، لأشكركم وأتمنى لنا جميعا التوفيق، في مقبل الأيام، في أداء الأمانة التي حمّلنا الشعب إيّاها والنهوضِ بمؤسستنا وبتقاليدنا البرلمانية. وأنا واثق من قدرتكم على أداء تلك الأمانة بمسؤولية وتعاون وعزم وتفانٍ في خدمة الوطن وتعالٍ عن الانتماءات الضيقة ونكرانٍ للذات.
أيها السادة النواب،
إنكم - لا شك - تدركون أن الديمقراطية هي، بالأساس، ثقافة وممارسة وتراكم واعتراف بالآخر وقدرة على تدوير الزوايا وإدارة الاختلافات.
إن عليكم الإسهامَ بجهدكم - كمنتخبين وشخصيات مرجعية مؤثرة- في إرساء ثقافة السلم والوئام بين كل مكونات مجتمعنا. فكم من دولة كانت أقوى عسكريا واقتصاديا، قياسًا بدولتنا الفتية، انهارت وفشلت بسبب انهيار السلم الأهلي فيها نتيجة الجري وراء سراب إمكانية الوصول إلى أعلى درجات السُلَّم قبل المرور بالعتبات الأولى.
إن لكم دوراً بالغ الأهمية في إفشاء الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وإشاعة قيم ومُثُل الإخاء والتسامح وقبول الآخر، وهي قيم حث عليها ديننا الحنيف وتعايش باحترامها الموريتانيون عبر القرون، مما يؤكد أن أساليب ومفاهيم الكراهية والعنف والتطرف ظلت غريبة على مجتمعنا عبر تاريخه ولن يقبل بوجودها اليوم حيث لا مكان إلا للإخاء والانسجام والتضامن.
أيها السادة النواب،
إن مهمتنا التي انتخبنا الشعب لأدائها هي مهمة سامية ونبيلة تقوم على خدمة الشعب بطرح مشاكله، وإدارة العملية التشريعية ومراقبة العمل الحكومي وفق ما خولنا القانون، وهي مهمة أسمى - بطبعها - من الشخصنة وتصفية الحسابات.
وإن علاقتنا بالحكومة يجب أن يطبعها الانسجام بين سلطتين - من بين سلطات الجمهورية الثلاث - تقضي القوانين والأعراف الديمقراطية بضرورة تعاونهما وتكاملهما خدمة للصالح العام.
ويجب أن نستحضر دائما أن المساس بالأشخاص وأعراضهم دون دليل، بغض النظر عن كونه فعلا يجرمه القانون ويفتح على صاحبه أبواب المتابعة القانونية، فهو كذلك - وهو الأخطر - يترك جراحا قد لا تندمل في حياة أطفالٍ وأُسر أبرياء، ويشيع ثقافة الفُحش والتنابز والتخوين.
فعلينا، أيها النواب، أن نبتعد عن أساليب الاتهام دون دليل، وأن نبتعد أكثر عن المساس برموز الدولة ومرجعياتها لكونها تستند إلى نفس الشرعية التي نستند إليها وهي إرادة الناخب الموريتاني الذي منه نستمد مبرر وجودنا هنا تحت هذه القبة الموقرة.
وعلينا التعاطي مع أعضاء الحكومة بتقدير واحترام باعتبارهم مكلفين بعمل عمومي، وأن تظل القوانين والنظم والأعراف الديمقراطية النبيلة هي الحَكَم في العلاقة بين النائب والوزير بعيدا عن المهاترات العقيمة والاتهامات التي لا يعززها دليل.
وعلى الوزراء كذلك أن يدركوا أنهم ملزمون باحترام وتقدير نواب الشعب، صاحب السيادة، وأن يعلموا أن التعاطي بإيجابية مع المشرّعين - بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ومواقعهم السياسية أغلبية كانوا أو معارضة - هو أفضل طريق إلى نجاح البرنامج الحكومي الذي لن يتأتى إلا في مناخ من الانسجام والتفاهم والتكامل بين الحكومة والبرلمان.
إن الديمقراطية تفرض وجود أغلبية تحكم ومعارضة تراقب وتقترح، فعلينا أن نتعاون على خلق جو ملائم لتأدية كل منا لدوره بأمانة واحترام للآخر.
وفي الأخير، أتمنى لكم عطلة برلمانية سعيدة وأعلن على بركة الله اختتام الدورة البرلمانية العادية الأولى لسنة 2018-2019 طبقا للمادة 52 من الدستور والمادة 56 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".