بدأت الحملة الانتخابية في موريتانيا « ساخنة » ولكن سرعان ما انصرف الموريتانيون إلى حياتهم اليومية وانشغلوا بالاستعداد لعيد الأضحى المبارك، أو ما يعرف هنا بـ « العيد الكبير »، إلا أن انشغالهم في الواقع عن السياسة لم يمنعهم من الانشغال بها في حياتهم الافتراضية، فاندلعت « حرب افتراضية » وقودها التغريدات و التغريدات المضادة بين معسكرات السياسة في البلاد.
المعسكران الأكثر تراشقاً في هذه الحرب الافتراضية، كانا حزبي الاتحاد من أجل الجمهورية « الحاكم »، والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية « تواصل » المعارض، يتصدر الحزبان البرلمان الحالي، من حيث التمثيل، كما يعدان الأكثر استغلالاً لوسائل التواصل الاجتماعي.
يمثل سيدي محمد ولد محم، رئيس الحزب الحاكم، رأس الحربة الإعلامية في الأغلبية الرئاسية، واستطاع خلال أشهر قليلة أن يحوّل حسابه على « تويتر » إلى قناة رسمية للتعبير عن وجهة نظر معسكر داعمي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لقد تحوّل الرجل بذكاء إلى « ناطق افتراضي » باسم الأغلبية والحكومة.
في آخر تغريدة نشرها ولد محم صباح اليوم السبت، هاجم من وصفها بـ « المعارضة السلبية »، وقال إنها « تقدم خطابا قائما على التجريح المقذع والكاذب، فهم أبطال ذلك وفرسان ميدانه ».
ولد محم في تغريدته المختصرة والقوية، قال إن قادة المعارضة « غير قادرين على تسويق خطاب وطني يحدد بوضوح وموضوعية مشاكلنا أو يقترح حلولا »، حسب تعبيره.
واستغرب ولد محم تعاطي المعارضة مع الواقع بعقلية قال إنها « لا تحيط حتى بجزء قليل، وقليل جدا، من الواقع الذي نعيشه جميعاً ».
ولكن ولد محم لم يجد من يرد عليه من قادة المعارضة سوى رفيقه السابق محمد جميل منصور، لقد سبق أن اجتمع الرجلان في أروقة التيار الإسلامي، وخاضا معاً نقاشات لا تنتهي حول شؤون الأمة وأوضاعها، قبل أن يتواجها في نقاش افتراضي لشؤون موريتانيا السياسية.
ولد منصور الذي خرج من رئاسة حزب « تواصل » بهدوء، وتحول هو الآخر إلى مغرد ومدون مهتم بالتعاطي مع مستجدات الأحداث الموريتانية والإسلامية، وجد متعة كبيرة في ذلك مع بعض الاهتمامات الأكاديمية التي كانت مؤجلة بسبب طوفان السياسة.
كتب ولد منصور في تدوينة سريعة عن عدم حياد الدولة في هذه الانتخابات، وقال إن « مصالح عامة في قطاعات الكهرباء والأمن، وربما غيرهما، تحت تصرف حزب سياسي هو الاتحاد من أجل الجمهورية لإطلاق حملته ».
وأضاف ولد منصور كدليل على عدم حياد جهاز الدولة أنه « البارحة (ليلة افتتاح الحملة) لم يجد الناس عند الاتحاد من أجل الجمهورية حملة لمرشحين للبرلمان أو الجهات أو البلديات، وإنما صور الرئيس وهو بذاته، والخطاب خطابه، والموضوع موضوعه، والصفة الصفة العامة ».
ولد منصور قال إن وسائل الإعلام العمومية « منحازة للحزب الحاكم »، وأضاف أن « الدستور الموريتاني يمنع المسؤول الأول من مزاولة أي عمل عام أو خاص، والمنع آكد حين يتعلق الأمر بعضوية أو قيادة حزب سياسي »، وفق تعبيره.
« الحرب الافتراضية » بين الحزبين لم تتوقف عند التراشق بالتدوينات والتغريدات، وإنما برزت صفحات على موقع « فيس بوك » تابعة للحزبين لتنشر مقاطع فيديو « دعائية » رغم طابعها الساخر.
كانت البداية مع صفحة تحمل اسم « حملة الحزب الحاكم لسنة 2018 »، حين نشرت مقطع فيديو « مركب » لا تزيد مدته على 34 ثانية، يظهر فيه ولد منصور وهو يكرر عبارة « التعليم فاسد »، وتظهر بعد ذلك في الفيديو صور قديمة من مبنى الجامعة مع وصفها بأنها « متهالكة »، وبعد ذلك تظهر صور للمركب الجامعي الجديد لتصفه بـ « المركب العصري الذى يضم 5 كليات »، بالإضافة لصور من مبنى كلية الطب ومطعم الطلاب الجديدين.
وتظهر في مقطع الفيديو صور أخرى على أنها رد على ولد منصور، وإنجازات في مجال التعليم تحققت في عهد ولد عبد العزيز، من ضمن هذه « الإنجازات » توزيع 6 ملايين كتاب مدرسي، وبناء 5000 حجرة مدرسية، و200 منشأة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ولكن مقطع فيديو آخر تم تداوله كرد على المقطع السابق، يظهر فيه الرئيس الموريتاني وهو يكرر عبارة « التعليم فعلاً خاسر »، وتظهر صور مدارس متهالكة وطلاب جامعيون يتكدسون في حافلات نقل عمومي، وعناصر من الشرطة تضرب طلاباً جامعيين.
وبدا واضحاً منذ البداية أن مواقع التواصل الاجتماعي سوف تكون ساحة مناسبة لحملة انتخابية « غير تقليدية » في موريتانيا، في ظل المصاعب الاقتصادية وغياب الاهتمام على مستوى الشارع.