بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نودع اليوم واحدا من خيرة الفنانين الموريتانيين الذين تركوا بصمات واضحة في الحياة الثقافية، وكان لهم حضور بارز في الساحة الفنية خلال العقود الستة الماضية، إنه الوجه الفني اللامع، وأحد أساطين التيدنيت في موريتانيا الذي طالما أفاد وأجاد، وأمتع جمهور محبيه بالموسيقى العذبة والأدب الرفيع، مع ما يضمر في جوانحه من معاني النبل والشهامة وحسن الخلق، وما تبدي قسمات وجهه من طلاقة وبشاشة تكاد لا تفارقه في لحظات اليسر والعسر.
ولد الفنان محمد ولد بادي ولد حمباره في أحواز الحوض سنة 1958، وترعرع وشب في وسط فني عريق، وفي محيط اجتماعي مشحون بقيم الفتوة بكل معانيها ومظاهرها، وهو ما بدا جليا في عبقريته الفذة وتمهره في جميع الآلات الموسيقية ولاسيما التيدنيت التي عرفت أمهارها والتاشبطن أنامله الذهبية، فكانت له صدى في الحالتين حين يعرب وحين يعجم، ومن ذا يجاريه في موسيقى الحماسة والملاحم حين يشتد النزال.
لم أحظ بمعرفة الرجل عن قرب، وإن كنت معجبا بفنه، عن بعد، والأذن تعشق قبل العين أحيانا كما يقول الشاعر، ولكن صدفة جميلة جمعتني به في بداية شهر فبراير من سنة 2007 أيام كنت مع بعض الإخوة مشاركا في احتفالية أقيمت في ذكرى مرور مائة عام على تأسيس مدينة كيفه، كان الفنان محمد ولد حمباره حاضرا بقوة في الحفلات الفنية والمسابقات الأدبية والتراثية والموسيقية وكان راوية للأشعار وعارفا بتاريخ الأمراء وملاحمهم، وقد استفدنا، يومها، منه الكثير جزاه الله عنا كل خير.
ولئن كانت الأقدار قد شاءت له الرحيل وهو مازال في أوج عطائه فقد ترك لبلاده أثرا من الفن الرفيع والموسيقى الأصيلة ومن الصدق والايمان والتواضع ما سيخلده في ذاكرة البلاد وقلوب العباد.
رحمة الله على روحه الطيبة وبارك في الخلف من بعدهـ وتعازينا الصادقة لأهله وذويه.
الدكتور محمد المختار ولد محمد الهادي
أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة أنواكشوط
المندوب العام للوثائق الوطنية