لقد شاءت الأقدار أن أكون بالمملكة المغربية الشقيقة وبالتحديد في حي ٢ مارس بمدينة الدار البيضاء، عندما ضرب الزلزال العنيف العديد من بلدات وقرى ومدن المملكة بما في ذلك الدار البيضاء نفسها. وكان ذلك في 11 يوليو – تموز 2023. حيث وقعت هزة عنيفة في الساعة الحادية عشر وخمسة وعشرين دقيقة مساء.
كنت في الطابق الخامس من عمارة سكنية تحيط بها بنايات شاهقة. وقد كنت اشاهد التلفزة عندما حدثت هزة قوية ارتجت من جرائها الحيطان من حولي واهتزت الابواب و اصطكت النوافذ وتساقطت المعدات والاواني المحيطة بي.
وسمعت حوالي قعقعة وأصوات اصطدام أشياء ببعضها وارتطام أخرى بالأرض. وسمعت ضجيجا مخيفا تتخلله فرقعات مريعة وصراخ واستنجاد وبكاء للأطفال. وانطفأ نور الكهرباء وساد ظلام دامس في العمارة وفي الشارع الذي تقع فيه. فتلمست طريقي ما وسعني ذلك مستنيرا بضوء هاتفي الجوال باحثأ عن مكان المصعد. ولما اهتديت إليه كان متوقفا ومظلما. وبعد فترة انتظار وجدتها طويلة طويلة، عاد نور الكهرباء ففرح الناس ودلفوا دون كببر فوضى ولا شديد تدافع إلى المصعد. وهبط الجميع بسلام. كان الناس يبدون تعاطفا وتضامنأ وتراحما فيما بينهم اندهشت له ونال استحساني ولعلها بعض السجايا التليدة المتأصلة في هذا الشعب الكريم.
وقد لفت انتباهي أيضا ما تم إحاطتي به من عناية عندما لاحظ الناس أني ألبس الدراعة- الزي المميز للموريتانيين – التي خرجت بها إلى الشارع تحت إكراهات الظروف.
وقد شعرت بدوري بتعاطف عارم وبمودة صادقة من قبل سكان العمارة الذين تولدت في نفسي تجاههم بل وتجاه كل المغاربة محبة ومعزة صادقتين وعفوتين ليستا وليدتي اللحظة بل متأصلتان ومتجذرتان، منبعهما الرحم والدم المشترك والأواصر المتشابكة.
وإذا كانت هذه النكبة الصادمة التي نزلت بساحة الشعب المغربي الشقيق قد آلمتني وأحزنتني مثلما أحزنت وآلمت الشعب المو ربتاني بكامله، فإنه قد سرتني الهبة التضامنية التلقائية والصادقة التي عبر عنها الشعب الموريتاني حيال أشقائه في المملكة المغربية في المحنة التي أصابتهم كما قد أثلجت صدري الإجراءات التضامنية التي اتخذتها السلطات الرسمية في البلاد، و المتمثلة في تعبئة كل وسائل وإمكانيات البلاد للوقوف إلى جانب الشعب المغربي ومواكبته في هذا الظرف العصيب من خلال تقديم ما بوسع البلاد تقديمه للإخوة المغاربة وتنظيم حملة للتبرع بالدم لكل المحتاجين لها.
حفظ الله أشقاءنا المغاربة ووقاهم من كل مكروه. وعاشت الأخوة بين الشعبين المغربي والموريتاني ودام التضامن والتآز والتآخي بينهما.
الدار البيضاء 10 يوليوز 2013
المفكر والدبلوماسي الموريتاتي السابق
الدكتور محمد الامين ولد الكتاب