وأنا أراجع أسماء السياسيين والخطباء والمنظرين والحقوقين والاستشرافيين الموريتانيين على مدى اربعة عقود تحديدا، استوقفتني جملة من الملاحظات التي أبت أن تمر مر الكرام، بل وألحت علي للتأمل فيها مهما صدت عن ذلك النفس اللئيمة في صراعها بداخلي مع توامتها "السيباتية" المستكبرة، ومهما تمادت في استنكار كسر الحاجز النفسي بينها وبين الرجعية الظلامية والتقدمية المستنيرة.
ومن جملة هذه الملاحظات تربع الزعامات العربية من شريحة "لحراطين" على عرش الخطابة بمدلولات الوعي الثوري والتنويري الحداثي والتمكن من وسائل التوصيل العالية بثقة لا تخطئها الحواس ولا تنكرها الوقائع، وذلك على خلفية التشبث التام بالخصوصية الحضارية واللغة والمعتقد.
وفي مقابل هذا الصعود للخطاب الذي يحمل المطالبة بتحقيق المساواة في الوطن، تتآكل الزعامات السياسية ذات الخطاب التقليدي الذي لا يخفي رجعية النفوس ونضوب مفردات الاقناع والتوصيل العصرية لديها، ويغيب جوهر صوتها في متاهات رفضه من صفوة "الوعي" المتنامية بداخل تحصيناتها الرجعية المهترئة.
وشتان بين خطاب قبلي عشائري يتجدد موسميا ليبقي على عوائق التقدم وبناء دولة العدالة والمواطنة، وبين خطاب يحمل جوهر الحق إلى إرساء المساواة والحفاظ على المشتركات الحضارية واللغوية في كنف المعتقد الاسلامي الواحد.
الرباط 2023/01/06