ولما أن وباء الكورونا الذي ظهر بالصين في شهر ديسمبر من العام 2019 قد تحول سريعا إلى جائحة عمت القارات منذ شهر يناير 2020 لتتعطل حركة العالم فيدخل في حالة الحجر الشامل للحيلولة دون انتشاره بشكل تام وتصعب عندئذ السيطرة عليه ويتعذر البحث عن لقاح ضده، فإن أضراره تعدت الجانب الصحي إلى كل جوانب الحياة البشرية الأخرى من الاقتصادية والتبادل البيني، إلى التعليمية من الجامعات إلى المعاهد والمراكز المهنية والتدريبية إلى المدارس الثانوية والاعدادية الابتدائية والتحضيرية والحضانات.
ولأن التعليم هو كذلك أهم ركائز قيام البلدان وتميزها ورخائها واستقرارها وتطورها، فإنه تأثر كثيرا بسبب الجائحة وعانى معاناة شديدة حيث امتنعت المدارس عن استقبال الطلاب والتلاميذ وتعذر تعليمهم في أجواء اللقاء والتعارف الذي يرفع النفسيات ويعضدد اللحمة ويقوي الروابط الأخوية والانسانية ويدعم التبادل المباشر مع المربين والموجهين.
ومع ذلك فقد ظلت الحكومات وذوو الطلاب والتلاميذ يجربون كل الطرق والوسائل للحيلولة دون ضياع السنة التربوية عن بعد بواسطة التلفزيون والحاسوب، وإن لم يغن ذلك عن التحام الطالب والتلميذ بمعلمه وأستاذه فأنه خفف على الأقل من وطأة قلق الأهل وأثر تراجع المستويات.
ولكن بموازاة جميع الإجراءات الاحترازية المشددة والتي أغلقت بموجبها المطارات في وجه الملاحة الدولية والجامعات التي تستقبل طلاب العالم في وجه روادها، وقلصت العمل في المصانع وشددت الرقابة على موانئ العالم والحدود البرية بين الدول وولايات ومناطق الوطن الواحد حتى، فإن الحكومات لم تكف جميعها من تطوير وتحسين التدابير من أجل تخفيف الحجر والرجوع تدريجيا إلى الحياة الطبيعية. ولقد كان لمفض وضع الكمامات في الأماكن العمومية واحترام مسافة الأمان وغسل اليدين وتعقيمهما الأثر الإيجابي البالغ في إمكانية استئناف حراك العيش وانتعاش الاقتصاد.
وفي ظل النجاح المحرز بفضل هذه الاجراءات وبانتشار الوعي بين صفوف المواطنين فقد تقرر من بين أمور أخرى افتتاح المدارس وسط احتياطات صارمة أمام التلاميذ لاستكمال الدراسة وإجراء الامتحانات النهائية.
وفي هذا الصدد أبلغت الوزارات الاسرة التربوية بالقرار واتخذت لذلك جملة تدابير صحية ووقائية للحيلولة دون انتشار الوباء ومساسه بالتلاميذ والطلبة والمعلمين والأساتذة.
ولأجل نجاح هذا الاستئناف عقمت المدارس وجهزت بالوسائل والمواد الضرورية لاتقاء ظهور الفيروس أو عدواه.
وفي حماس شديد توجه التلاميذ والطلبة إلى مدارسهم نظيفي الأيدي، معقمي الأدوات ومرتدين كماماتهم الوقائية. وجدوا عند مصولهم أسرة تربوية منضبطة، ملتزمة ومتقيدة بكل التعليمات الواردة من السلطات الصحية.
وبالطبع كانت الفرحة بادية على وجوه الجميع، تلامذة وطلابا ومعلمين وأساتذة كما كانت عيونهم تشع بابتسامات صادقة. وفي هذه الأجواء المفعمة بالحذر والمقيدة بالالتزام بدأت الدراسة والامتحانات مبشرة بنتائج وعلامات تنسي الخوف وتفتح على الأمل بالمواصلة في أجواء يكون قد تم التغلب فيها على الفيروس بفعل الجهود العالمية في المخابر ومؤسسات البحث العلمي المنتشرة في كل قارات العالم والمكبة جميعها على البحث عن مصل يقضي على الفيروس ويعيد الإنسانية إلى سابق عهد الاطمئنان.
ولكن أمرا آخر زاد صعوبة العودة إلى المدرسة لتدارك ما ضاع أثناء أشهر من الحجر المعطل ولكنه الضروري، وهو تهاطل الأمطار بغزارة بعد سنوات عانت فيها البلاد من ضعف منسوبها. صحيح أن المكر نعمة وأن الحياة تنتعش به ولكن المياه أثرت على الطرق وبنايات المدارس فجعلت من الصعب الالتحاق بها وتبين أن بعضها لم يعد صالحا لاستقبال التلاميذ لتهل السقوف وضياع الطاولات المقاعد وتسرب المياه والأوحال إلى داخل الفصول.
ولكن مرة أخرى لم تثن هذه المشاكل الكبيرة التلاميذَ والأسرةَ التربويةَ عن التوجه بحماس وقوة إرادة إلى المؤسسات التعليمية التي سلمت تماما أو جزئيا من الخسار الذي سببت فيه الرياح والأمطار. وبالطبع لم تبخل الدولة بما في وسعها للتخفيف من الاضرار والقيام بالممكن من الإصلاح.
ولكن أهم نجاح سجل خلال هذا الافتتاح الاستثنائي الذي يلبس حلة التحدي ورفض الاستسلام لجائحة الكورونا هو عدم تسجيل حالت من الإصابة أو انتشار للفيروس على الرغم من صعوبة الموسم الماطر وما سبب من تخريب في البنى التحتية المدرسية وفي الطرق المؤدية إليها.
نعم هي المدرسة تثبت مرة أخرى أنها "مهد" التحضر ومدرسة "الالتزام" وضرب المثل الحسن في "السلوك الوعي" وفي اتباع واحترام النظام. فكل إجراءات الحماية والوقاية وجدت آذانا صاغية وعقولا مستوعبة ليمر الافتتاح الدراسي بعد التوقف بأمان وتجرى الامتحانات بأمان وسلام ليكسب التلاميذ التعويض عما فاتهم ولا تضيع عليهم سنة رهن منها الوباء أشهرا للخوف والترقب.
ولا شك أن المجهود الدراسي في البيت رغم الحالة النفسية التي سببها الحجر، والدروس عن بعد التي اضطلعت بها الجهات التربوية عبر التلفزيون وبعض المدارس والجهات المهتمة بالتعليم ساعدت التلاميذ والطلاب على إبقاء وتيرة التعلم والاستزادة في حدود المقبول والمساعدة على الارتباط المنهج ومحتوياته التعليمية.
ولإن كانت الجائحة قد استطاعت أن تلقي بظلال قاتمة اقتصاديات العالم فإنها لم تستطع أن تهز ثقة الانسان في العلم فطور أساليب كثيرة مكنت التلاميذ والطلاب من مواصلة التعلم والتحصيل لمواجهة الامتحانات بثقة وإرادة النجاح. وإن التلميذ الموريتاني لا يبالي بحال المدرسة ووعورة الطرق إليها بقدر ما الذي يهمه هو التعلم والنجاح.
وإن الدولة التي سجلت بارتياح إرادة التلاميذ وإقبالهم على الدراسة بعد هذا الانقطاع قامت بعمل جليل تجلى في:
ـ إعادة ترميم بعض المدارس وتشييد أخرى جديدة،
ـ اكتتاب عشرات المدرسين الأكفاء وتوزيعهم على المدارس في كل ولايات الوطن لسد العجز الحاصل وتمرسر التحسينات الجوهرية التي طرأت على المنظومة التربوية،
ـ تقديم المساعدات متمثلة في الأدوات المدرسية لأبناء الفقراء،
ـ تحسين وضعية المدرسين بزيادة الرواتب والعلاوات المستحقة.
ولأن الجائحة أضرت بالتعليم ومنظومته كما أضرت بطل جوانب الحياة فإن التعليم لقي نصيبه منها، ولكن إرادة الجميع دولة وأولياء أمور التلاميذ والتلاميذ والطلاب والاسرة التربوية بكل طواقمها عملت بجهد كبير وإرادة صارمة على تقليص هذا الضرر والنهوض بالتعليم في أسرع وقت حتى تتعلم الأجيال وترفع التحديات كلها وأولها التحدي الصحي مصداقا وتجسيدا لقاعدة أن "العقل السليم في الجسم السليم".