في حين كانت أغلب محاضرات محدثينا، من المؤرخين و الباحثين والأكاديميين، تكرارا بلا تحيين وتعلقا مرضيا بأهداب الأسطورة والخرافة دون علمية التناول، وبالتغني الشاعري بالماضي دون الاستخلاص والاستنباط والتمحيص والغربلة والاستشراف، كان غيرنا من المغاربة والجزائريين يجتهدون، بأكاديمية عالية وتناول منهجي متبصر ومهارة ومقدرة بالغتين على التحقيق، في تقديم مضامين رسائلهم إلى المهرجان؛ رسائل شفت عن علمية طافحة، وثقة مطلقة، وتحيين حدثت عنه المعطيات الجديدة بوسائل إيضاح متقدمة، وتسلسلية رصينة، ولغة منسابة خالية من التقعر تجاري العقلانية في تحررها من العقد الماضوية.
ولأن العلاقات التاريخية بين هذه الدول وبلاد شنقيط قديمة والتبادل الثقافي في الفضاء الحساني عريق بينها، فقد تولدت عن ذلك تأثيرات متبادلة شملت التراث في أوجه عديدة أضحت قاسما مشتركا وإن كان في البدء والأصل مصدر انطلاق هذه القواسم هو القطر الموريتاني أيام كان فضاؤه يدعى "شنقيط" أو "تراب البيظان" أو الفضاء "الحساني"، إلا أن الحدود التي مايزت بين الأقطار لم تغير في المشترك المجتمعي والموروث الثقافي.
فهل ننتبه إلى هذه "الأحقية" ونسعى إلى الحفاظ عليها والإبقاء بما يتطلبه الأمر من جدية وعلمية وبالوسائل المناسبة التي تضمن قيام البحث والتنقيب والنفض وتحقيق القراءة الجادة والنشر وتطوير المتاحف وفتح أبوابها للتعريف بتاريخ البلد وميراثه؟
محنة الأدب
كان الشعر، طيلة أماسي المهرجان:
- أما تكرار ما لاكت، من ضعيفه، ألسنة الشعراء خلال النسخ الماضية مع تعديل منتحل فضحه غياب الإلهام ونضوب الإبداع،
- وأما بناء جديدا افتقر إلى جزالة اللفظ وانسيابية الوزن وعلو المقاصد.
وأما الشعراء، الذين نافسوا الغاوين ثم ضايقوهم وهمشوهم فقد كرسوا، بما لا يدع مجالا للشك، محنة الأدب وهبوط الشاعر إلى درك المهانة في بلد طالما تسمى بأرض "المليون شاعر" وتهادى فيه "الشاعر" وتربع على أفرشة التبجيل؛ شعراء حملهم إلى المهرجان في مقطوراته المتهالكة قطارُ -المدعو "اتحاده الأدباء والكتاب الموريتانيين"- الذي سار بـ"وقود" الطمع في التعويض المالي برسم الحضور.