لقد تميز، من دون شك، أول ظهور للمرشح محمد ولد الغزواني لرئاسيات 2019 القادمة، بأمر استثنائي ما سبقه إليه أي من الرؤساء الذين ترأسوا البلاد قبله؛ أمر سيسجله له التاريخ بأحرف من ذهب. فالرجل الذي عرف بعزوفه عن الكلام المرسل على عواهنه وبتمكنه، كما هو معلوم، من ناصية اللغة الفرنسية التي جرى بها بعض تكوينه العسكري غير الذي تم في العراق والأردن والمغرب، فاجأ الجماهير الغفيرة ـ التي حضرت المهرجان الحاشد للاستماع إلى الإعلان عن الترشح ـ بسلامة لغته العربية الفصحى؛ فهو إذ لم يتلعثم، لم يقلقل كذلك، ولم يغلغل، ولم يبدل "الضاد" دالا ولا أي حرف بآخر، ولم يفخم حين التخفيف أو يخفف حين التفخيم، كما لم يحتر في نطق الحركة الاعرابية الصحيحة عند أواخر الكلم.
ويكون بهذا الاستثناء قد أبان ولد الغزواني أنه خريج مدرسة اجتماعية وروحية تقيم للفصحى وزنها وتحفظ لها سلامتها وسحر بيانها وصحة النطق بها لضرورة ذلك عند أهل بلد يوصفون بأنهم الامتداد الطبيعي للوطن العربي و"المورد" الذي عرفت به بلاد شنقيط لنشر العلم في الغرب الافريقي وتوطيد عرى الأخوة في الدين مع أهله، وللحافظ كذلك على الشعر الفصيح في أرومته و مجمل أداء لغة الضاد.
وأما عن فحوى الخطاب، وإن كان من السابق لأوانه إدراك تفاصيل محدداته التي لا شك سيتضمنها البرنامج الانتخابي عند الإعلان عنه، فقد كشف في اقتضابه، لمدخل الترشح، عن حصافة في الطرح السياسي جمعت بين:
- الاعتدال الذي تمليه منطقية الأشياء ومجريات الأحوال،
- والواقعية التي تفرضها الرصانة ووجوب تكييف اللحظة مع تقدير حدود الذي تسمح به الالتزامات الإجرائية،
- والقدرة على الاستشراف لربط ما قد يصبح محاور البرنامج الانتخابي بسياقات الحاضر.
ولما كان لا بد من تسجيل الخطاب في السياق العام لمجريات الأمور فإنه كان، وذا أقل ما يمكن قوله الآن، تعبيرا متأنيا عن تحريك مفاصل هذا الواقع إلى أفق الاستمرار بمقتضيات وآليات الاستشراف العلمي المحكم.
وقد تجلى كل ذلك في تناول جديد، حصر العمق في الإيجاز، للمحاور التي هي في مجملها تقليدية كـ:
- هم الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية،
- والموضوع الأمني،
- وتدبير أمر التسيير الحسن لمقدرات البلد،
- إشكالية التعليم والصحة،
مبرزا بوضوح فهما بارزا لضرورة الاقتصاد في الكلام المرسل وتكثيف المعاني المفضية إلى الإجابة العملية على الآمال المرجوة لطي صفحة، حتى وإن حوت بعض أمور إيجابية يجب الحفاظ عليها، إلا أنها تسببت من جراء الفساد العارم والنهب الشديد والزبونية الوبائية والغبن السافر والإقصاء المتعمد وتكريس الرداءة، ما جعل الرجاء بحصول تصحيح ثم إصلاح رجاء مشروعا عند أهل بلد شبه منكوب.