وجب الحذر من أربعة قبل أن يقيموا حجة الخذلان ويوقعوا في فخ الارتهان:
• الزعيم القبلي المتمرس الذي يجيد رقصة قلب "الدراعة" ولا يهاب العري،
• السياسي صاحب الحزب الأجوف، يبيع به ويشتري مواقف الربح بالارتزاق العفن،
• المستشار الذي تهبط به من علياه مطامعُ القرب والالتحام بمراكز القوة، يبيعها ماء وجهه ويهدر عند عتباتها مزايا كل مضامين الرفعة،
• صاحب العمامة الذي يسرع الخطى إلى منابر الولاء قبل الأذان ليدعو حين الصلاة وبعدها لمن يهبه موطئ قدم من قربه فيعطي ميثاقا غليظا بألا ينصحه أو يصوبه.
والقرب من أربعة قبل أن يحيل شياطينُ الجفاء دونهم :
- المخطط الذي يحلو له بناء الوطن بالعمل الجاد والتسيير المعقلن المتكئ على قدرات لا تقبل التشكيك وبإرادة وإيمان وإخلاص،
- السياسي صاحب الرؤيا الثاقبة والخطاب الناضج المقنع الذي يحمل بين ثناياه الرفعة للوطن والسعادة للمواطن،
- المستشار المختص الذي يجزل الاستشارة في تقيد مكين باشتراطاتها وإحاطة تامة بمواضيعها،
- الفقيه الذي يخاف الله ولا يحشى في قول الحق لومة لائم.
الغاوون والشعراء
وإن على استحياء، ومن بعد هول الصدمة، بدأت أقلام "صدام الأمس" العاتية تغازل ضوء الفجر القادم من أفق الغد القريب طمعا، لا يغادر نفوسها، في ألا يدفنها ظلام النسيان الذي سيلف بردائه السميك كل ما عمله أصحابها من آثام ومفاسد وما نصروا من الباطل وأغمطوا من الحقوق.
إنهم في حيرة من أمرهم ة ارتياب من غدهم. فبقدر ما أنهم لا يريدون الخروج من رخاء حصاد الولاء الطامع والآيل إلى الانقضاء، بقدر ما لا يريدون كذلك تفويت قطار الحكم القادم بتقليب السترة عسى تنطلي الحيلة الفجة على القادم إلى دفة حكم البلاد.
ولقد تغيرت، بين عشية الإعلان عن عدم الترشح وضحى الإعلان عن ترشيح الخلف، مفرداتهم الواثقة والمتحدية واكتسبت نصوصهم مسحة من ميوعة الضعف والتذبذب بعدما كانت صارمة في التحدي ومشبعة بلغة التأليه والتكفير.
وكما تبعهم، وهم "الغاوون"، في شبه تغيير للقواعد "الشعراءُ" فبدأوا ينشدون بالشعر المقفى والآخر المنثور ود القادم وعطاياه.
أو ليست في هذا كل علامات النفاق؟
استغلال المشاعر
بعدما استنزفت أموال معتبرة في تنظيم اتحادات وروابط الشعراء والأدباء، وتنظيمات الفنانين، والقيمين على المؤسسات العمومية وشبه العمومية، والإعلامية، والمكاتب البحثية، لتظاهرات خطابية في أرقى الفنادق بعيدا عن تجمعات السكان المستهدفين والمعنيين، ها هو ذا قد بدأ يتناقص حماس وبريق موجة النداء بالحرب على خطاب الكراهية وتهديد الوحدة الوطنية وإضعاف اللحمة بين المواطنين، وكأن الأمر كان بمثابة عبور سريع من فترة "جمود وكساد" إلى لحظة "كسب وحبور" باستغلال حق مشروع في النداء بصون وحدة الوطن إلى باطل تكسب به ليس إلا بإلهاب المشاعر واستغلالها.
والحقيقة أن الوحدة الوطنية واقع قد كرسه، في البدء، على أديم هذه الأرض، دينُ "الإسلام" الحنيف في غياب أي معتقد آخر أو وثنية، ثم وطده من بعد اشتراك كل مكوناته المذهبُ المالكي الأشعري رغم تعدد واختلاف طرقه الصوفية، وذلك منذ ما قبل دخول الاستعمار، وطيلة أيام احتلاله، وما بعد نيل الاستقلال.
وإن من أعظم الأسباب -التي يمكنها أن تهدد هذه الوحدة القائمة على أساس المعتقد الواحد -رغم عديد الصعوبات التي سببها الظلم الممارس من قبل الأقلية النافذة على الأغلبية الساحقة-الدعوة المغرضة بواسطة التظاهرات الفجة و الفلكلورية المدفوعة نفقة تمويلها من الخزينة العامة، إلى الحفاظ على "المحفوظ" من دون الدعوة إلى محاربة أسباب الظلم التي تولد خطاب الكراهية اتجاه الظالمين.