التواصل الاجتماعي حاضنة القبلية/الولي سيدي هيبه

اثنين, 11/09/2023 - 17:14

من البديهي القول إن وسائل التواصل الاجتماعي تعد في العصر الحالي من أكثر التقنيات التي لا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الحاضر، على الرغم من أنها تستهلك وقتًا ليس بالقليل من اليوم الطبيعي لأي فرد في المجتمع. ومن المؤكد كذلك أن هذه المساحة الافتراضية الرقمية قد أثرت وما زالت تفعل على الأفراد والمجتمع كله، نظرًا لما تقدمه من طرق تواصل مختلفة ومبتكرة تساهم في إبقاء الأفراد والمجتمعات حول العالم على تواصل لا ينقطع، يضاف إلى ذلك العديد الآخر من التقنيات المستجدة.

وبالطبع أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي هذه آثارا بالغة على المجتمع، منها الإيجابي ومنها لسلبي الذي تخلفه على منصاتها الساخنة.

من الآثار الإيجابية الكثيرة على المجتمع أنها سهلت التواصل الاجتماعي بأنواعه المختلفة بين أفراده في وحده، ومكنت مستخدميها من مشاركة الصور، ومقاطع الفيديو، والاتصال المباشر بالصوت والصورة مع الأفراد الآخرين، عائلات وأصدقاء وأقارب؛ الأمر الذي يمكن إدراجه في إطار ما يدعى بـ"تحسين التنشئة الاجتماعية" من خلال تعزيز العلاقات الاجتماعية التي لها الدور الأول في التماسك والتكافل الاجتماعي.

كما أنها مكنت مستخدمي التواصل الاجتماعي من التعرف على أشخاص جدد والاستفادة منهم من خلال تقاسم المعلومات وتبادل المهارات والكفاءات التي تخدمهم وتخدم المجتمع وتنمية البلد.

ويبقى الأهم ما أوصلت إليه من تحسين التعليم بمساعدة أفراد المجتمع في بناء العديد من الملكات والمهارات بكل سهولة وكفاءة. كما استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تقنيتها أن تساهم في مجال التعلم عن بعد والتمكين للأفراد غير القادرين على الحضور في الصروح الأكاديمية من الوصول بعد تلقي التعليم عن بعد بكل كفاءة وسهولة إلى أعلى المستويات وتحقيق أرفع الطموحات.

كما يعود الفضل إليها في تسهيل الحصول على التوظيف من خلال إتاحتها لأفراد المجتمع عرض خبراتهم الوظيفية وشهاداتهم العلمية والبحث بجدارة عن الوظائف التي تتناسب مع تخصصاتهم ومجالات عملهم، وإذ أصبحت غالبية الشركات والمؤسسات تقوم بنشر الشواغر المتاحة لديها على هذه الوسائل الاجتماعية المختصة للحصول على المرشحين الأكفاء للوظيفة بكل سهولة دون العناء كما كان يجري بواسطة الإعلانات التقليدية، هذا علاوة إلى أن عمليات التوظيف هذه تساهم في إنعاش المجتمع وبنائه والمساهمة في تنمية البلدان.

ويمكن تلخيص الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع في كونها تنشر التطرف والكراهية بفعل أشخاص يدعون إليهما ويصعدون على وجه الخصوص من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي لها شعبية ونفوذ كبيرين؛ وهو الأمر الخطير الذي يتم من خلال عمل الجماعات المتطرفة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السر ونشر بعض الأخبار والشائعات المضللة أثناء التواصل مع أفراد آخرين في المجتمع سويين وواعين ومتزنين حتى ينضموا إليهم ومن ثم استخدامهم لتحقيق أهدافهم المضللة التخريبية. وهؤلاء هم من يطورون الأساليب بمهارة حتى يتمكنوا من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تُبقي الجميع على اتصال دائم مع بعضهم البعض بطريقة سهلة للغاية.

وأما التأثير السلبي البالغ الإضرار بالمسارات السياسة في البلدان وعلى المجتمع فمن حيث يُنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بالنسبة إلى السياسة، على أنها عوامل تخريبية، ويعود هذا الأمر إلى اعتبار أن وصول أفراد المجتمع إلى وسائل التواصل الاجتماعي قد أدى إلى تمكينهم من تناول القضايا السياسية بطريقة غير متحضرة كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات المختصة.

ومن السلبيات الخطيرة على المجتمع وكيان البلدان ما حصل من زيادة نسبة "الإدمان" حتى أصبح الفرد يستغرق وقتًا طويلًا للغاية يصل إلى ساعات في اليوم مستخدما المنصات الاجتماعية على حساب إنتاجيته في مكان عمله أو دراسته. كما يساهم هذا الإدمان أيضًا في التأثير على إنتاجية المجتمع ككل، وخاصةً أن أمه ينتشر على نطاق واسع وفي ظل تفاقم الإصابات بالأمراض النفسية والتأثيرات السلبية على الشخصية في المجتمع. وهذه السلبيات مجتمعة التي أصبح المجتمع يعاني منها في هذا البلد الذي يراوح مكانه منذ أزيد من ستين عاما على نشأة الدولة من رحم اللا دولة.

ويبقى، الأدهى والامر هو ما حصل من تضاعف أسباب التخلف عن ركب الأمم، على العكس مما كان لزاما أن يكون على أيدي أجيال ثلاثة أو أربعة تخرجت - منذ ذلك الحين - في جامعات العالم ومعاهده مشبعة بكل المعارف والعلوم، لكنها لم تسهم في التأسيس الصحيح ولا صوبت المفاهيم الخاطئة اجتماعية وسلوكية. بل وعلى العكس من ذلك أحيى أفرادها، بشكل غير مسبوق، "القبلية" على حساب "القبيلة" و"الجهوية" على حساب تنافس "الأقطاب" الاقتصادية على خلفية المميزات. كما أن كثير أفراد هذه الطبقة المتعلمة لم يلبثوا أن حملوا وسائل التواصل الاجتماعي خطاباتهم البغيضة ملبسين إياها بمهارتهم الكتابية والبلاغية، وشحنوا العقول بسموم الملاسنات البغيضة والاتهامات الخطيرة والنداءات الصريحة إلى الشقاق والفتنة بدثار الاصطفاف القبلي والشرائحي والاثني الدي تعريه التسجيلات الصوتية والألبومات المصورة ومقاطع الفيديوهات. كما ان هذه الوسائل تستخدم للتغطية المفضوحة على أصحاب عمليات النهب الممنهج وسوء التسيير المتعمد وخيانة للأمانة الوظيفية والوطنية في التفريط في مقدرات البلد والتواطؤ على استنزافها من قبل الشركات العالمية، وللدفاع عنهم كذلك بكل جرأة على خلفية الانتماءات القبلية والجهوية الصارخة.