قصيرة... حق الكفيف

ثلاثاء, 18/04/2023 - 19:18

زرت الليلة البارحة جاري الكفيف طمعا في وجبته المفضلة "بلقمان" فوجدت طبقا لا يقل مذاقه حسنا وسهولة في المضغ. لم يقبل مني إطالة التحايا حتى لا تبرد الوجبة التي وعدني في قابل الأيام بمثلها وأطيب من الوجبات الوطنية التي تجيد إعدادها زوجته الموطأة الأكناف مريم. أجبته فورا إلى علو كعبه في العفة والمروءة. ولم أكد أفرغ من غسل يدي حتى تلمسها ليمسكها من أعلى ويتوجه بها إلى قلب الصحن الذي تفوح منه رائحة عديد البهارات الزكية.

بصمت بدأت ألتهم الطعام تحت وطأة يده التي لا تترك لي نفسا وغنائية ترحيب زوجته التي لا تنقطع.

وصب الشاي المنعنع بأسرع من غسل اليدين وتنشيفهما في منديل ناصع البياض تفوح منه رائحة مسك مختار. بادرت سائلا:

- ما اسم هذه الوجبة ومن أي جهات الوطن. وما هي مركباتها؟

أجابتني مريم وقد سرها الإطراء ككل النساء:

ـ إنها من وجبات أقصى الشرق الموريتاني وهي خليط من بهارات مالي و توابل المغرب ... دجاج معد بطريقة خاصة تعتمد على الكثير من البصل، و أما آخر ما وضع فوق الوجبة فهو مسحوق معد من خليط خضار مجففة يدعى "اشروط".

ـ شكرا لكما على هذا العشاء الخفيف اللذيذ.

سكت قليلا ثم سألت:

- ما أخبار دراسة الأولاد وهل فعلا بدأ القاء الدروس؟ و قبل ذلك فهل اكتملت أدوات و لوازم المدرسة؟

أجاب الضرير:

- نعم إنك لم تترك شيئا إلا فكرت فيه وأحضرته في حينه ... إن مريم تدعو لك كل صباح وهي تودعهم إلى المدرسة.

قلت:

- الحمد لله.. إنكما تثلجان صدري بهذه الأخبار. ولكن يساورني شك دفين بأنكما تخفيان عني سرا وأن لديكما مشكلة لا تريدان الإفصاح عنها.

قالت مريم:

- وكيف عرفت؟

أجبت:

ـ لأنكما لم تدعواني على هذه الوجبة الشهية حتى دعوت نفسي إليها.

تدخل الضرير وقال:

- أبدا. كل ما في الأمر أن ابن عم لي تجشم عناء السفر من قريتنا ليخبرني بأن عقارا لوالدي -رحمه- الله قد عثر عليه، وأن بعض إخوتي أصر على ألا يكون لي منه حظ و تقصد حرماني مثل ما فعل في الماضي.. ابن عمي هذا يدعوني إلى الذهاب للمطالبة بحقي. فما رأيك؟

أجبت على الفور:

ـ ما ضاع حق وراءه مطالب

وأردفت :

ـ إن أردت سافرت معك.

قال:

- لا والله لن تفعل. أدع لي فقط ان يوفقني الله.

قلت وأنا أعلم عزة نفس جاري وهوان الدنيا عنده:

ـ أنا أعرف أنك قلق فقط على عيالك.. اطمئن فإن مريم بألف رجل. ستحفظ البيت وتراقب الأطفال حتى تعود مظفرا، ماسكا بحقك بيدك ليعينك على تدبير أمرك.

أطرقت ثم قلت:

- سأكون عينا لك عليهم حتى تعود، والاتصال عبر الهاتف بينك وبين مريم.. وكذلك أنا كلما وجدت حاجة إلى ذلك.

أمسك يدي وقال:

ـ رب أخ لك لم تلده أمك.

شددت على معصمه وقلت:

ـ ورب ضرير أبصر من ألف ناظر ... سر على بركة الله ولا تلتفت وراءك.

رفع رأسه مقدرا أنني أنظر إليه، وعلت محياه الجميل بسمة تعبر بصدق عن انشراح صدره وقال مازحا:

ـ أتراني أبصر شيئا إن فعلت؟

ضحك من كلامه ثم أضاف جادا:

ـ جزاك الله عني خيرا.. إني أرى حقا بعينيك حفظهما الله لك من كل سوء.

مجموعة "شظايا المرايا"