في ذكرى وفاته الـ28.. هل أضاء "قنديل أم هاشم" مشوار يحيى حقي أم أظلمه؟

أحد, 13/12/2020 - 19:54

"إن اسمي لا يكاد يذكر إلا ويذكر معه هذه الرواية كأني لم أكتب غيرها".. هكذا يلخص الأديب المصري يحيى حقي ما فعلته رواية "قنديل أم هاشم" بمشواره الأدبي الطويل.. إنها أضاءت الطريق له وفي الوقت نفسه أسقطت الظلمة على رصيد فريد من مؤلفاته المتنوعة في مجالات القصة والترجمة والنقد.

تلك المفارقة التي جعلت من تأثير "قنديل أم هاشم" كومضات مصباح يلاعبه الهواء، فلا الجدران تحجب نوره، ولا مآمن لاستمراريته من دون وثاق شديد من النصوص الأدبية التي تصنع المشروع الكبير ليحيى حقي، ظلت في حياة الأديب تمثل معضلة الفضل والنقمة في آن واحد.

ومع الذكرى الثامنة والعشرين لرحيل حقي، إذ توقف إبداع قلمه عن عمر يناهز 87 عاما يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 1992، تبقى "قنديل أم هاشم" رمزا للرواية كما يجب أن تكون، وأيضا محل إدهاش لما فعلته بباقي مؤلفات صاحبها.

قنديل أم هاشم

على كثرة النصوص في الأدب العربي التي تطرح إشكالية الصراع بين الأصالة والمعاصرة، تظل رواية "قنديل أم هاشم"، التي كتبها حقي في أربعينيات القرن الماضي، صاحبة خصوصية بوصفها مرجعا أصيلا في تفنيد ذلك الصراع.

ورغم قصر الرواية حيث لا تتعدى صفحاتها السبعين، نجح حقي في إظهار الهوة بين الحداثة المرتبطة بتمجيد العلم على حساب الكفر بكل ما هو قديم، والإيمان المتجذر بالموروث، من خلال البطل إسماعيل الذي تربى في حي السيدة زينب لكنه سافر ودرس الطب في أوروبا ليعود إلى وطنه ويقع بين مطرقة ما نشأ عليه وسندان ما ذاقه في بلاد الغرب.

فإسماعيل المتخصص في طب الرمد يؤمن بالعلم سبيلا وحيدا لعلاج الناس من العمى، في حين أن العميان أنفسهم يعلقون كل آمالهم على زيت يتكوم في قنديل بمسجد السيدة زينب، ومع تصاعد الأحداث لا يجد البطل حلا للصراع سوى أن يغزل خيطا رفيعا يصل به بين ما وصل إليه العلم وما يؤمن به الناس.

ويبدو أن ما حدث للطبيب إسماعيل هو إعادة تدوير لما مر به المؤلف نفسه وإن لم يعلن ذلك صراحة، فحقي هو ابن حي الحسين القريب روحا وموقعا لحي السيدة زينب، وسافر في شبابه إلى بلدان أوروبية عدة بحكم عمله في السلك الدبلوماسي ليعود بعد ذلك ويستقر في وطنه ويتبنى عبر مشاريعه الأدبية مقاومة الجهل الذي يحسبه الناس إيمانا.

وفي كتاب سيرته الذاتية "خليها على الله"، قال عن السنوات التي قضاها في أوروبا "طوال تلك السنوات لم أنقطع عن التفكير في بلادي وأهلها. كنت دائم الحنين إلى تلك الجموع الغفيرة من الغلابة والمساكين الذين يعيشون برزق يوم بيوم. وحين عدت إلى مصر سنة 1939 شعرت بجميع الأحاسيس التي عبرت عنها في الرواية".

والنجاح الكبير لـ"قنديل أم هاشم" في استخدام الأدب لطرح إشكالية المعاصرة والأصالة، مهد لها الطريق لنقلها إلى شاشة السينما لتتحول الرواية إلى فيلم شهير من بطولة شكري سرحان وأمينة رزق وسمير أحمد ومن إخراج كمال عطية.

شهرة الرواية

لم يكن حقي مدركا أثناء كتابته "قنديل أم هاشم" أنها بمثابة المصباح الذي سيضيء مشواره الأدبي على طوله، بل ستكون العلامة الفارقة فيه لدرجة أن نصوصه الأخرى ستصبح تابعة منزوية وكأنها فهرس للرواية، وهو ما سيسبب للأديب إزعاجا بعد ذلك.

ولعل الناقد الأدبي فؤاد دوارة كان ملخصا لقوة تأثير الرواية عندما قال في مقال له "لم يحدث في تاريخ الأدب العربي كله، وربما في تاريخ الأدب العالمي في حدود علمي، أن استطاعت قصة في أقل من 70 صفحة أن تنتقل وحدها بمؤلفها من عالم المجهول إلى قمة الشهرة، ليصبح كاتبا معروفا بعد أن كان لا يعرفه أحد".

بل إن حقي نفسه قال عن روايته "إن اسمي لا يكاد يذكر إلا ويذكر معه "قنديل أم هاشم" كأني لم أكتب غيرها".

وذلك النجاح الفريد لـ"قنديل أم هاشم" يدفع لتساؤل مشروع حول سر مقارنة تلك الرواية بباقي أعمال مؤلفها التي عانت القراءة في الظل أو التهميش.

وقد حاول حقي تفسير  الأمر من خلال حوار صحفي أجري معه سنة 1964، حيث قال "حين أحاول البحث عن سبب قوة تأثير "قنديل أم هاشم" لا أجد ما أقوله سوى أنها خرجت من قلبي مباشرة كالرصاصة، وربما لهذا السبب استقرت في قلوب القراء بالطريقة نفسها".

واستطرد: إنها قصة غريبة جدا، كتبتها في حجرة صغيرة كنت أستأجرها في حي عابدين، وعشت فيها لوثة عاطفية مثيرة عبرت عنها في أناشيد "بيني وبينك" التي تجدها في نهاية "قنديل أم هاشم".

إذن، كتب حقي ما شعر به بصدق وعفوية وتحت تأثير قصة حب حقيقية، وهو ما وصل للقراء بنفس درجة الصدق والعفوية، فتأثروا بوهج الحب ووقعوا في هوى الرواية.

لكن على الجانب الآخر من الشهرة التي لاقتها الرواية، كانت ثمة منغصات، فحسبما روت نهى ابنة حقي في أحد اللقاءات الصحفية، كان والدها يشعر بالحزن لأن الناس لم يلتفتوا إلى باقي مؤلفاته والأعمال التي قام بترجمتها ويتعاملون مع "قنديل أم هاشم" باعتبارها عمله الأدبي الوحيد، في حين كان يرى أن درة التاج في أعماله هي روايته "صح النوم" التي كتبها سنة 1955.

ولفت الروائي المصري يوسف القعيد إلى ما اعتبره سبب ابتعاد الضوء عن باقي أعمال حقي، موضحا أن سوق النشر طوى ذكرى إبداعات يحيى حقي، رغم أن الأعمال الكاملة صدرت له في حياته.

وأرجع إهدار كنوز حقي إلى عادة النسيان عند القراء المصريين والعرب وانخفاض نسب القراءة عموما، مؤكدا أن صاحب "قنديل أم هاشم" كان يتعاطى مع الواقع بطفولة شديدة وإحساس بالاندهاش معه، ومجده الأدبي يكمن في عينه السحرية ورؤيته كل التفاصيل حوله.

بعيدا عن القنديل

بعيدا عن "قنديل أم هاشم"، اتسم المشوار الأدبي ليحيى حقي بالتنوع الشديد، فضلا عما اشتهر به من اعتناء بالغ باللغة، رغم أنه من أصول تركية، لدرجة أن علماء اللغة رشّحوه لرئاسة مجمع اللغة العربية، غير أنه رفض المنصب

الجزيرة