عندما يصبح الأدب سلعة مبتذلة/الولي سيدي هيبه

سبت, 21/09/2019 - 16:00

عندما يصبح الأدب سلعة مبتذلة/الولي سيدي هيبه

معالي الوزير الأول،

لا شك أنكم تدركون أن الثقافات تشكل بالفعل عاملا مهما في نهضة الأمم ورسم الحضارات، فمنها تنطلق ووفقها تصنف وتدرس، والمجتمعات تعرف بثقافاتها، فهي تشكل هويتها وانتمائها، والديانات باختلافها تركز تركيزا مطلقا على الثقافات وعلى رأسها الإسلام الحنيف.

صحيح أن البعض من المفكرين ذهب إلى أن رقِيَّ الأمم يتوقف على ما يُسمى بالعلوم الثابتة كالرياضيات، أو الطبيعيات، وما تفرع منهما، وهو كلام صحيح من حيث المآل؛ ولكن المرحلة الأولى في طريق نجاح الأمم هي للأدب، دون غيره، لأنه ثبت أن الأدب هو "ثقاف النفس، وصقال الهمَّة، ومثار كوامن العزائم، والمشتمل على نواحي الحياة الروحية كلِّها من حيث أن النفس لا تتوق إلى المعالي إلا بالأدب ذلك المِهْمازُ الأعظم الذي يبعث النفس على الخَبِّ في مَيْدان المجد، ومتى أوجد الأدب هذا الشوق إلى المجد نشدت الأنفس ضوالَّه المتعددة، أينما وجدَتْها".

ولا يمكن للأدب بهذا السمو أن يخذل انتظام دورة صقل النفوس من منحطات الفعل الذي يصب في الطمع المادي المنحط :

-         من خلال تظاهرات مرتجلة وخالية من أية إيحاءات للإبداع والتجديد،

-         بكل الطباع التي تلبس عباءة الأدب الثمينة لتدنسها في أوحال الهبوط إلى قاع مستنقعات النفاق،

-         وتسخير الكلمة الموزونة والمنثور ولكبوات المنحطين ممن عجزت عن رفعهم الدراهمُ.

ولما ينحسر الأدب في قوالب مصطنعة تخضع للغرائز وتتنكر للمقاصد السامية فذاك الدليل أنه حاد عن جادة الصواب وترك الأمة للضياع.

وإن المتتبع لحالة الأدب في بلاد الناقضات الكبرى ومهد الادعائيين بلا حصانة لا بد أن يرى جليا، من وراء زيف المظاهر:

-         ارتجالية موسمية غير موفقة لساذج أنشطة،

-         ومفتقر مهرجانات،

-         وباهت تظاهرات،

بقدر ما تحاول كلها التغطية على مستوى الانحطاط، بقدر ما تسعى إلى انتفاعية لا يقيدها مبدأ أو تؤطرها قيم.

فلا بد معالي الوزير الأول، في إطار برنامجكم الحكومي الطموح، من إعادة النظر في الشأن الثقافي عموما ومنه على وجه الخصوص الجزء المتعلق بالأدب في دائرة الواسعة، فإن التي يعانيه من ضعف يلقي بظلاله الثقيلة على مجمل الحراك الثقافي المتعثر والمغيب للبلد عن المسارح الثقافية والإبداعية القارية والعربية والعالمية.

 

واقع ثقافي غث

معالي الوزير الأول،

لم يستطع الاستتار وراء أسماء المدن القديمة إخفاء الواقع الثقافي المتردي والعاجز عن مسايرة عصر بلغت فيه كل الدول من حولنا مستوى ثقافيا وعلميا بينا جعلها تعتد بصروح عالية ومنتجة لمادة فكرية وعلمية وثقافية تنافس بها على منصات العالم.

لتترك المدن القديمة لمجدها التليد ويتم إبعادها، ما أمكن ذلك، عن استغلال الادعائيين للفكر والثقافة في ظرف تشهد فيه البلاد بياتا معرفيا محققا يتجلى في غياب المنتج العلمي المجدد والثقافي البناء، وبعد نخب عن أي مستوى يؤهلها لحمل هذا اللقب، بل وإنه البيات الذي يظهر أكثر الحاجة إلى ترتيب الأوراق وتحديد الأولويات الملحة.

وليس أقل التحديات الكثيرة مسألة إصلاح التعليم المتردي حتى يقوى على حمل رسالاته المتعددة الأهداف من أجل بناء بلد يقوى بالتالي على صنع حاضر متوازن قادر على قراءة الماضي والاستفادة منه وصيانته.

عندها يكون من اللائق والمناسب تسمية الأعمال الفكرية والعلمية والثقافية، جوائز كانت أو تظاهرات، بـ"شنقيط" لتطابق الفعل مع روحه ونبل وصدق هدفه. ويعتبر غير ذلك، في ظل غياب النخب المنتجة والعمل المجدي والتظاهرات الثقافية التي تفصح عن إبداع، زيفا وهدرا للمال العام الذي يصرف على الخواء.

فهلا راجعت الدولة، معالي الوزير الأول، في ظل العهد الجديدة والميمون إن شاء الله، السياسة الثقافية المثقلة بالتناقضات والنواقص، والمثخنة بالمثالب فتحدد الأولويات التي لا تخفى في ظل التقهقر الثقافي والفكري والعلمي الذي تعرفه البلاد ويفضحه خواء المكتبات وغياب مسارح الحراك الثقافي والعطاء الفكري والفني، وتوقف هدر المال العام في كل ما يتقاصر عن خدمة الثقافة والعلم والفكر والفن لصرفه في إصلاح التعليم الذي هو الأساس والمعول ورفع قواعد العطاء الثقافي الشامل حتى يحصل ويتحقق النضج؟

 

حفاظا على مدننا القديمة

 
معالي الوزير الأول،

كهف "لاسكو grotte lascaux" التاريخي الشهير بفرنسا و الذي يحتوي بداخله الرسومات الجدارية الاكثر قدما منذ فترة ما قبل التاريخ، كانت لتتعرض للتلف و أصباغها للزوال من جراء التلوث الذي يسببه الزوار، ما اضطر السلطات الفرنسية حفاظا على هذا الكنز الوطني و الإرث الانساني و الوجه السياحي الذي يدر أموالا طائلة، إلى إغلاقه وتنظيم الزيارات بدلا عنه لمجسم قام خبراء و مهندسون و فنانون ببنائه من خليط من المواد المتقنة بذات حجم الأصل و شبيه له في كل تفاصله للزوار الذين لم يجدوا فرقا بينه و بين الموقع الأصلي الذي يتم ترميمه بدقة و الحفاظ عليه.

إنه حل متبع في كل أرجاء العالم للحفاظ على الآثار التاريخية الانسانية العظيمة من مدن وهياكل وتماثيل وبروج و غيرها من التحف التاريخية.
والآثار التاريخية جزء من اقتصاد البلدان التي تتواجد فيها و سلعة ثقافية مدرة تنظم بشأنها مواسم معلومة على أساس منهجية تضمن الحفاظ عليها و رحلات مدفوعة الثمن ومربحة للسكان الأصليين القاطنيين.

فكيف بنا معالي الوزير الأول نظل نهدر أموالا طائلة في تنظيم مهرجانات عقيمة ورحلات ترفيهية للمفسدين والمترفين الربحيين إلى آثار هي أحوج إلى الصيانة و الترميم منها إلى التعرض للتلوث و الهدم؟
فهلا راجعتم في سياستكم الثقافية شأن مهرجان المدن القديمة وأقمتموه على مجسمات في العاصمة و يكون مدفوع ثمن الدخول و المشاركة كما يجري في العالم بأسره، فيما يجمع الريع لتسىيع بناء الطرق إليها ومنشآت استقبال لائقة تنعش السياحة الثقافية.

 

سكة حديد معالي الوزير الأول

من المؤكد أن الثورة الصناعية في الغرب والتي انطلقت من انكلترا لم تقم إلا مع اختراع محرك القطار وبناء السكك الحديد التي ربطت كل أرجاء القارة، مسهلة نقل البضاعة ومقربة الشعوب من بعضها.

ولم تنجح الهند بعد سبات طويل وتأخر مزمن إلا بعد أن أدركت وعلى غرار الصين أهمية القطار ورأت نتيجة شبكتها التي تعتبر من أكبر شبكات العالم ربطت كل أجزاء شبه القارة.

صحيح أن بناء سكك الحديد يكلف كثيرا، ولكن الدول التي تطورت هي التي أدركت أهميتها بعد إنجازها فضحت بلا تردد وصبرت حتى استكملت خطوط سكتها لتبدأ مشوار جني الثمار المتلاحقة ومشاهدة التطور المضطرد وتفاعل كل مكونات شعوبها وشرائحها على خلفية التوازنات الاقتصادية والتبادلية وعدالة التوزيع للخيرات التي يفرضها منطق الأشياء وإرادة التكامل والبناء والاستقرار.

فهلا أوقفتم معالي الوزر الأول هدر أموال الدولة في طرق لا تقوى على الصمود ولا تستجيب للمعايير المتعارف عليها، ثم وضعتم ضمن الأولويات في برامجكم التنموي بناء سكة حديد تلتقي عند كل نقاط تماس مناطق ولايات الوطن الحساسة جميعها لتضمن التبادل المتوازن والتكامل والتنقل بانسيابية مدرة شاملة للبشر والمنتجات والثروات.